آخر الأخبار

"إما دفع الفدية أو الموت": بي بي سي توثق شهادات "صادمة" من أقارب محتجزين في الفاشر

شارك
مصدر الصورة

تحتجز قوات الدعم السريع شبه العسكرية العشرات من سكان مدينة الفاشر بشمال دارفور، منذ إحكام سيطرتها عليها، وفق شهادات حصلت عليها بي بي سي من أسر يعيش أفرادها حالة من القلق والخوف على مصير ذويهم الذين أصبحوا تحت رحمة تلك القوات.

ساعة واحدة لإرسال الفدية أو الموت

بصوت يملؤه القلق، تحدّث إلى بي بي سي شاب فضّل عدم الكشف عن اسمه، واختار لنفسه اسماً مستعاراً هو محمد أحمد.

يعيش محمد -المُعيل الرئيسي لأسرته طوال فترة الحرب- خارج السودان.

يقول إنه ظل يتابع الأخبار ومقاطع الفيديو المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي بعد دخول قوات الدعم السريع إلى مدينة الفاشر، بحثاً عن أي أثر لأفراد أسرته الذين حوصروا داخل المدينة لأكثر من 16 شهراً.

وقال: "ليومين كاملين لم يغمض لي جفن. كنت أتابع المقاطع المصوّرة على أمل التعرف على أحدهم، إلى أن شاهدت خالي وجاري في أحد الفيديوهات وهما يجلسان على الأرض بينما يستجوبهما أحد عناصر الدعم السريع. ظننت أنهما أُعدما، خاصة بعد انتشار مشاهد الإعدامات الجماعية في تلك المقاطع".

لكن المفاجأة كانت حين جاءه اتصال عبر تطبيق "ماسنجر" من حساب خاله بعد يومين من انتشار هذه المقاطع. تحدّث إليه وأخبره بأنه لا يزال على قيد الحياة، لكنه محتجز لدى أفراد يتبعون لقوات الدعم السريع، وطالبوه بفدية قدرها عشرة ملايين جنيه سوداني، أي نحو ثلاثة آلاف دولار أمريكي.

"تحدث إليّ أحد عناصر الدعم السريع وأمهلني ساعة واحدة فقط لإرسال المبلغ، وإلا سيكون الموت مصير خالي. اضطررت إلى اقتراض المبلغ وتحويله في الوقت المحدد خوفاً من أن يُقتل".

لاحقاً، أُطلق سراح خاله بعد دفع الفدية، وتمكن من الوصول إلى مدينة طويلة التي تبعد نحو ستة كيلومترات غرب الفاشر.

لا ضمانات حتى بعد دفع الفدية

أما إبراهيم قاسم -اسم مستعار- فكان وضعه أكثر تعقيداً؛ إذ تحتجز قوات الدعم السريع خمسة من أفراد أسرته. يقول إنه تمكن من إنقاذ شقيقه بعد دفع فدية قدرها عشرة ملايين جنيه سوداني، لكن العناصر ذاتها طالبت بالمبلغ نفسه مقابل إطلاق سراح اثنين من أبناء عمومته، بالإضافة إلى 25 مليون جنيه نظير الإفراج عن أشقاء والدته.

يحكي إبراهيم بقلق: "في الاتصال الأول أمهلوني عشر دقائق فقط لتحويل المبلغ عبر تطبيق (بنكك)، وهددوني بقتل أخي. كما منحوني ساعة واحدة لتسديد فدية خالي الذي أُصيب أثناء معارك الفاشر. وحتى الآن لم أتمكن من استكمال المبلغ المطلوب لإطلاق سراح بقية أقاربي".

ويؤكد أحد أقارب المحتجزين أنه لا توجد أي ضمانات حقيقية بأن يتم الإفراج عن ذويهم بعد دفع الفدية، مشيراً إلى أن بعض المفرَج عنهم يُعتقلون مجدداً أثناء محاولتهم مغادرة المدينة، ويصف ما يجري بأنه "مسلسل ابتزاز متواصل".

وأشار إلى أن معظم عائلات المحتجزين استنزفت مدخراتها خلال فترة الحصار الطويلة، إذ كانت ترسل أموالاً لذويها لتأمين الغذاء الذي ارتفعت أسعاره بشكل كبير. أما الآن، فتُجمع الفديات من تبرعات أو قروض أو بدعم من منظمات خيرية وإنسانية.

أزمة إنسانية متفاقمة

مصدر الصورة

وفي بيان صدر يوم الأحد 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، قالت شبكة أطباء بلا حدود إن قوات الدعم السريع لا تزال تحتجز آلاف المدنيين داخل مدينة الفاشر، وتمنعهم من مغادرتها بعد أن صادرت جميع وسائل النقل المستخدمة في إجلاء النازحين.

وأضاف البيان أن بعض الفارين أُعيدوا إلى داخل المدينة قسراً، من بينهم مصابون بطلقات نارية أثناء محاولتهم الهرب، وآخرون يعانون من سوء التغذية. وحذّر البيان من أن استمرار احتجاز هذا العدد الكبير من المدنيين في ظل أوضاع إنسانية بالغة التعقيد، مع شحّ حاد في الأدوية ونقص في الكوادر الطبية، إذ لا تزال قوات الدعم السريع تحتجز بعض العاملين في المجال الصحي، يشكّل كارثة إنسانية متفاقمة.

كما أشار إلى أن بقاء الجثث منتشرة في أطراف المدينة يمثل خطراً بيئياً داهماً.

وطالبت الشبكة بإطلاق سراح المدنيين فوراً، وفتح ممرات آمنة لخروجهم، والسماح للمنظمات الإنسانية بالوصول إلى المناطق المتضررة، ودفن الجثث التي يهدد بقاؤها المكشوف كارثة بيئية.

انتهاك للمواثيق والأعراف الدولية

مصدر الصورة

تصف غادة عبد الرحمن، القانونية والمدافعة عن حقوق الإنسان، الوضع الحالي للمدنيين المحتجزين بالفاشر بأنه احتجاز تعسفي، وتؤكد أنه "انتهاك خطير" للقانون الدولي والإنساني، بحسب قولها، مضيفةً أن احتجاز المدنيين في أماكن الصراع كرهائن كما تقوم به قوات الدعم السريع يعد انتهاكاً للمواثيق والأعراف الدولية.

وتؤكد عبد الرحمن أن هناك انتهاكات صارخة بحق المدنيين بالفاشر، موضحةً أن قوات الدعم السريع تقوم بالابتزاز المالي عبر احتجاز المدنيين وطلب فدية مالية من أهاليهم لإطلاق سراحهم.

وتشير إلى أن دوافع الاعتقال التعسفي، غير طلب المال، تعود إلى أسباب تتعلق بالاشتباه بدعم الطرف الآخر في النزاع، أو احتجاز مبني على الانتماء القبلي، أو وفقًا للمواقف السياسية.

وتصف أماكن احتجاز المدنيين التابعة لقوات الدعم السريع بالمأساوية والقاسية، حيث يعاني المحتجزون من الجوع وسوء المعاملة والتعذيب. وتضيف: "بلا شك احتجاز المدنيين بالفاشر وطلب فدية من أهاليهم هو جريمة مركبة، لأن هذا الاحتجاز غير صادر بأوامر قضائية، وهناك استخدام منهجي للتعذيب والضغط النفسي على المحتجزين".

وترى أنه من الضروري التعاون مع المنظمات الحقوقية العالمية للحصول على دعم فني ولوجستي لإنصاف المحتجزين بالفاشر.

خنادق وحواجز تطوّق الفاشر

أفاد مصدر من مدينة الفاشر لبي بي سي بأن أعداد المحتجزين كبيرة، وأن غالبيتهم يتواجدون في حديقة حي الدرجة الأولى وسجن شالا الاتحادي، الذي يبعد نحو ثلاثة كيلومترات عن قلب المدينة.

وأضاف أن مجموعات أخرى من المحتجزين نُقلوا إلى منطقة قَرني الواقعة على بُعد 30 كيلومتراً غرب الفاشر، موضحاً أن العديد من المدنيين اعتُقلوا أثناء محاولتهم الخروج من أحياء المدينة، فيما مُنع آخرون من المغادرة أو تمت تصفيتهم ميدانياً.

وأوضح أن عمليات الاحتجاز تنفذها مجموعات مسلحة متعددة تتبع لقوات الدعم السريع.

وفي خطاب نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي يوم الأربعاء الماضي، أقرّ قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) بوقوع انتهاكات بمدينة الفاشر عقب سيطرة قواته عليها، معلناً تشكيل لجنة للتحقيق. وأكد حميدتي أن قواته وفّرت ممرات آمنة للراغبين في الخروج من المدينة، ونفى خلال حديثه وجود حصار مفروض عليها.

إلا أن هذه الرواية تتعارض مع إفادات السكان والبيانات المحلية. ففي يوليو/تموز 2025، قالت تنسيقية لجان المقاومة في مدينة الفاشر إن المدينة تتعرض لحصار محكم، وإن قوات الدعم السريع قطعت عنها الإمدادات وحفرت حولها خنادق لمنع الحركة.

ويتطابق ذلك مع تقرير أصدره مختبر الأبحاث الإنسانية بجامعة ييل (Yale Humanitarian Research Lab)، الذي أشار إلى أن قوات الدعم السريع حفرت خنادق وأقامت تحصينات ترابية حول المدينة تجاوز طولها 30 كيلومتراً، في خطوة تهدف إلى عزلها وتشديد الحصار على سكانها. وحذّر التقرير من أن هذه التحصينات قد تُستخدم لتقييد حركة المدنيين ومنعهم من المغادرة.

كما أفاد ناجون وصلوا إلى مدينة طويلة بأن قوات الدعم السريع اعتقلت عدداً من المدنيين أثناء محاولتهم مغادرة الفاشر.

وسيطرت قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2025، بعد معارك بينها وبين الجيش السوداني والقوات المتحالفة معه، وحصارها للمدينة لحوالي 16 شهراً، إلى أن تمكنت من إحكام سيطرتها على مقر الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش السوداني، وشهدت الفاشر خلال هذه الفترة تدهوراً في الأوضاع الإنسانية.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا