يواصل تنظيم القاعدة تصعيده في مالي، من خلال استراتيجيته الساعية إلى إسقاط باماكو من خلال خنقها اقتصاديا، مما يثير المخاوف من نجاحه في تحقيق سابقة تتمثل في السيطرة على دولة إفريقية.
وفي مالي تظهر مؤشرات على إمكانية تحقيق هذا الهدف، لا سيما عبر الهجوم على قوافل الجيش.
وتكشف مصادر لموقع "سكاي نيوز عربية" خريطة سيطرة الجماعات المرتبطة بالتنظيم في مالي، ومناطق العمق العملياتي واللوجيستي لها، ومحاور الهجوم ومناطق السيطرة، واستراتيجيات العمليات التي تتبعها من خلال مجموعات صغيرة متنقلة تنفذ الهجمات التي تستهدف مناطق الإمداد ثم الانسحاب إلى أماكن ريفية.
محاور الهجوم ومناطق السيطرة
الضابط السابق رئيس مركز "ديلول" للدراسات الاستراتيجية أحمد امبارك الإمام، قال لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن " جماعة نصرة الإسلام والمسلمين تحولت خلال 2025 إلى القوة المتشددة الأكثر نفوذا في مناطق الوسط والشمال المالي، مع تركيز أنشطتها في ولايات موبتي وسيغو وغاو، حيث أصبحت هذه المناطق العمق العملياتي واللوجستي للجماعة".
وأوضح الإمام أن "هذه الجماعة نجحت في فرض طوق شبه كامل حول المراكز الحضرية، معتمدة على خلايا متنقلة صغيرة تهاجم القواعد العسكرية ونقاط الإمداد، وتنسحب فورا إلى المناطق الريفية وسط التضاريس الوعرة والغابات النهرية".
كما أن "الوضع الحالي لا يشبه حالة ما قبل الانقلاب على الرئيس السابق آمادو توماني توري، ولا الرئيس الموالي لفرنسا إبراهيم ببكر كيتا، فقد انتشرت كتيبة ماسينا في مناطق نائية، حيث تهاجم من خلال مجموعات صغيرة الصهاريج القادمة من غينيا (كوناكري) و كوت ديفوار"، وفق رئيس مركز "ديلول" للدراسات الاستراتيجية.
ويشير الإمام إلى أن "هذه الجماعات نجحت في الامتداد جنوبا نحو الحدود مع كوت ديفوار وبوركينا فاسو، وغربا باتجاه الحدود الموريتانية، حيث تسعى لفتح ممرات بين مناطق تمبكتو وولاية كايز، مما يجعل من موريتانيا خط تماس غير مباشر مع الجغرافيا المتشددة".
وأوضح أنه "في المقابل يحتفظ تنظيم داعش في الصحراء الكبرى بحضور مواز شرقي مالي، خصوصا في ميناكا وغاو، مما يجعل المنطقة مسرحا لصراع نفوذ بين التيارين القاعدي والداعشي، وكلاهما يستغل ضعف الدولة وتفكك القوات المحلية".
هجمات بدلا من الكمائن
وعن التحول في استراتيجيات الجماعات المرتبطة بالقاعدة، يقول الإمام إن "هذه الجماعات انتقلت من نمط الكمائن الدفاعية إلى نمط الهجمات الموجهة، وهو تطور يعكس ارتفاعا في مستوى التنظيم والتخطيط، كما أن زحف جماعة نصرة الإسلام والمسلمين لم يعد أفقيا فقط بل عموديا أيضا".
ويوضح الإمام أن "الجماعة اخترقت السلاسل الإدارية والقبلية، وبنت منظومة حكم مواز تقدم خدمات أمنية وقضائية محدودة، الأمر الذي جعل بعض القرى وسط مالي تفضل التعامل معها على السلطات الرسمية".
و"هذه الديناميكة لا تنفصل عن المشهد الإقليمي، إذ تشكل منطقة ليبتاكو غورما الممتدة بين مالي و بوركينا فاسو والنيجر مركز ثقل النشاط الذي يتفرع نحو الشمال الشرقي والجنوب، خصوصا باتجاه شمال بنين وتوغو، وهو ما يهدد بانتقال الصراع من فضاء الصحراء إلى الغابات الساحلية"، وفق الإمام.
ويلفت مدير مركز "ديلول" للدراسات الاستراتيجية أيضا إلى أنه "في الأشهر الأخيرة انضم كثير من الأعراق الأخرى المتأثرين بالخطاب السلفي، مثل البمبارة وسرقل وغيرهما".
ويؤكد العسكري السابق أن "تسليح القاعدة اليوم أصبح في الأساس من معدات الجيش المالي، عبر الاستيلاء على القواعد العسكرية بما فيها، ولعل أبرز مثال على ذلك ما حصل الخميس عندما هاجمت كتيبة ماسينا مقرين للجيش المالي بمدينة سان بولاية سيغو، حيث نشرت المجموعة توثيقا للعملية على موقعها".
توسع وتوترات داخلية
الصحفي الباحث المالي سيد حيدرة قال لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن سيطرة الجماعة المرتبطة بالقاعدة تشهد توسعا جغرافيا تمثل في السيطرة على مناطق جديدة، مما يمثل تهديدا مباشرا للعاصمة باماكو.
وأوضح حيدرة أن "منطقة الساحل، خاصة مالي، تشهد تصعيدا خطيرا في أنشطة تنظيم القاعدة ممثلا في جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، مما يهدد استقرار البلاد والمنطقة بأسرها، خاصة في ظل إمكانية تحقيق الهدف الذي يسعى إليه التنظيم وهو الوصول لحكم مالي".
وتابع: "نتيجة للحصار الاقتصادي الخانق للعاصمة باماكو، فقد تدهور الوضع السياسي الداخلي، في ظل تزايد التوترات داخل المجلس العسكري الحاكم، مع توقعات بانقلاب جديد في ظل عزل مالي دوليا"، وفق حيدرة.
المصدر:
سكاي نيوز