توقف القتال في غزة ، ولكن معركة أخرى تبدأ بالنسبة إلى الجنود الإسرائيليين العائدين من الجبهة، فبعد أن أصيبوا بصدمة وجروح جسدية، يغرق بعضهم في الصمت والغضب، ويحاول آخرون إعادة بناء أنفسهم عبر التضامن والعلاج والكلام.
بهذه المقدمة، افتتحت صحيفة لوفيغارو تقريرا ميدانيا بقلم نجاة شريقي، تناولت فيه ما سمته الجحيم الذي يعيشه الجنود الإسرائيليون العائدون من جبهة القتال في غزة، والذين قالت إن أحدهم وصل به الإحباط واليأس حد تمني تلقي رصاصة في جبينه، مشيرة إلى أن الهدوء الذي عاد إلى سماء غزة بعد وقف إطلاق النار هدوء هش.
صمتت المدافع -كما تقول الكاتبة- ولكن الصمت الذي أعقب المعارك لا يحمل سلاما حقيقيا، لأن الجروح لا تزال تنزف، ولأن هناك، فوق ثمن الحرب الذي دفعه المدنيون الفلسطينيون، ألما آخر صامتا بين الجنود الإسرائيليين العائدين من الجبهة، المهووسين بذكريات الحرب، العاجزين عن استئناف حياتهم الطبيعية.
وذكّرت الكاتبة بأن الحرب انتهت لتوها، ولكن الجمر لا يزال متقدا تحت الرماد وفي قلوب كل من الطرفين، اللذين ما زالا عدوين، لكنهما منهكان.
واستعرضت نجاة شريقي حالة يسرائيل حيات، وهو شاب وجندي ممرض قاتل على جبهة غزة، إذ يقول "أحد أحلامي هو أن أتلقى رصاصة بين عيني. أنا جثة تمشي. رجل لم يعد يعيش".
بعد تسريحه، وقف حيات -الذي أصبح غير صالح للخدمة العسكرية، والذي يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة- أمام نواب الكنيست ليصرخ بألمه في وجوه السياسيين، قائلا مثل كثيرين من رفاقه العائدين من الجبهة، إنه أصبح غير صالح للحياة.
يقول هذا الشاب "هل تعرفون كيف يكون الشعور عندما ترفع جثث أصدقائك؟ كلما جلست، أرى الجثث، أرى أصدقائي يتفجرون أمام عيني. أحاول أن أقتل نفسي كل يوم. وصف لي طبيب نفسي 15 قرصا في اليوم، جرعة تكفي لتنويم حصان. عالجوني أرجوكم".
من المنطقي أن يعتقد العالم أننا متطرفون، لكن هذا غير صحيح. أنا لدي قيم، ولم أختر الكراهية. للأسف، السياسيون الذين يحكموننا لا يمثلون الواقع الحقيقي للشعب الإسرائيلي. نتنياهو جعل بلدنا يبدو وكأنه الشيطان
بواسطة يوآف
وأشارت الكاتبة إلى أن إسرائيل جندت 500 ألف جندي خلال سنتين من الحرب، قتل منهم 916 وأصيب 6300، ولكن يوآف (25 عاما) الذي رأى الحرب عن قرب وعاش الفوضى والخوف، لا يشكك في أسباب اندلاعها، ويقول "بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، لم يكن لدينا خيار آخر".
غير أن هذا الشاب -كما تقول الكاتبة- مستاء من القرارات السياسية، إذ يقول "من المنطقي أن يعتقد العالم أننا متطرفون، لكن هذا غير صحيح. أنا لدي قيم، ولم أختر الكراهية. للأسف، السياسيون الذين يحكموننا لا يمثلون الواقع الحقيقي للشعب الإسرائيلي. (رئيس الوزراء الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو جعل بلدنا يبدو وكأنه الشيطان. فقد أطال أمد هذا الصراع ليبقى في السلطة".
وحسب رأي يوآف، فإن هذه الحرب استمرت وقتا أطول مما ينبغي، وهو يتحدث عن أعراضه بخجل، مشيرا إلى نوبات القلق، والصور التي تعود فجأة، وإلى الإحساس بالذنب الذي يلازمه، لأنه عاد بينما لم يعد آخرون، يقول: "أعرف أن هناك أبرياء في غزة. كنت أتمنى لو نجوا".
يناضل يوآف اليوم من أجل اعتراف أفضل بحالات مثل حالته، ويقول "أعاني من القلق ومن ذكريات مفاجئة، لكن بعض أصدقائي أسوأ حالا بكثير".
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة