آخر الأخبار

الفاشر: "ضربوا من قاوم وسرقوه وأعدموا البعض. شاهدتُ جثثاً ملقاة في الشوارع" - شهادات فارّين

شارك
مصدر الصورة

كان جريحاً يرتجف وليس معه سوى ملابسه التي على جسده، حينما أخذ عز الدين حسن موسى يصف وحشيّة قوات الدعم السريع السودانية، في أعقاب سيطرة الحركة شبه العسكرية على مدينة الفاشر بإقليم دارفور.

وحكى عز الدين كيف عذّبتْ عناصر الدعم السريع رجالا وقتّلتْ فيهم بينما كانوا يحاولون الفرار.

والآن تحت ظلّ خيمة في منطقة الطويلة يستلقي عز الدين، الذي يعتبر واحداً من بين عدّة آلاف وجدوا طريقهم إلى مكان آمن بعد الفرار ممّا وصفته الأمم المتحدة بأنه "عنف مروّع".

وفي يوم الأربعاء، اعترف قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو بارتكاب "أعمال عنف" في الفاشر، متعهداً بالتحقيق في الأمر. وفي وقت لاحق، قال مسؤول أممي رفيع المستوى إن قوات الدعم السريع أبلغتْ أنها ألقت القبض على مشتبه بهم في ارتكاب هذه الأعمال العنيفة.

وعلى مسافة نحو 80 كيلو مترا من الفاشر تقع منطقة الطويلة، التي تعدّ إحدى عدّة بقاع لا يصل إليها سوى المحظوظين ممّن يتمكنّون من الهرب من قوات الدعم السريع.

يقول عز الدين: "خرجنا من الفاشر قبل أربعة أيام. ما لاقيناه من معاناة على طول الطريق كان شيئاً لا يمكن تخيّله".

ويضيف: "لقد قسّمونا إلى مجموعات وتناوبوا علينا بالضرب. كانت المشاهد شديدة الوحشية. شاهدنا أشخاصا يُقتلون أمام أعيننا، وآخرين يُضربون. كان الأمر مروّعاً حقا".

ويتابع: "أنا نفسي ضربوني على رأسي وعلى ظهري وعلى ساقَي. ضربوني بالعصِيّ. ولقد أرادوا أن يعدمونا تماماً. ولكن عندما سنحتْ الفرصة هربنا، بينما الذين كانوا في الطليعة لم يتمكنوا من الفرار".

مصدر الصورة

يحكي عز الدين كيف أنه انضم إلى جماعة من الفارّين، وكيف احتموا بأحد المباني، وأنهم كانوا يسيرون في الليل وكانوا أحيانا يزحفون على الأرض من أجل التخفّي عن العيون.

يقول عز الدين: "متعلقاتنا سُرقتْ – هواتف محمولة وملابس وكل شيء. حتى حذائي سرقوه. لم يتركوا لنا أي شيء".

ويتابع لبي بي سي: "مضينا بلا زاد ثلاثة أيام نقطع الطُرق، وبرحمة من الله وصلنا".

ويقول هؤلاء الذين وصلوا إلى الطويلة إن الرجال الفارّين على وجه الخصوص كانوا يتعرّضون للمساءلة من جانب قوات الدعم السريع، للتأكد من أنهم ليسوا جنوداً.

ويعدّ عز الدين واحداً من بين حوالي خمسة آلاف شخص يُعتقد أنهم وصلوا إلى الطويلة منذ سقوط الفاشر يوم الأحد.

كما أن عدداً كبيراً من هؤلاء الفارّين قطعوا الرحلة الطويلة سيراً على أقدامهم مدّة ثلاثة أو أربعة أيام متتالية هرباً من العنف.

وتواصَل صحفيٌّ مستقل في الطويلة، متعاون مع بي بي سي، مع عدد من هؤلاء الفارّين القادمين من الفاشر.

مصدر الصورة

وإلى جوار عز الدين، يجلس أحمد إسماعيل إبراهيم، وعلى أماكن متفرقة من جسده ضماداتٌ عديدة.

ويقول أحمد إنّ عينَه أصيبت في هجوم مدفعي، وإنه غادر الفاشر يوم الأحد بعد أن تلقّى علاجاً بإحدى المستشفيات.

وحكى أحمد أن عناصر من قوات الدعم السريع أوقفتْه ومعه ستة رجال آخرين، قبل أن "يقتلوا منهم أربعة أمام أعيننا. نعم، ضربوهم ثم قتلوهم"، مضيفاً بأنهم أطلقوا عليه الرصاص ثلاث مرات.

يقول أحمد إن عناصر الدعم السريع فتّشوا في رسائل الهواتف التي يحملها الثلاثة الذين أبقوا عليهم أحياء.

ويتذكر أحمد كيف أن أحد هؤلاء المقاتلين قال لهم الثلاثة لاحقا: "حسناً. انهضوا واذهبوا". قبل أن يفرّوا إلى الأحراش.

يقول أحمد إنهم الثلاثة ظلّوا يُهرولون لمدة عشر دقائق قبل أن يأخذوا قسطاً من الراحة مدة عشر دقائق أخرى، ثم واصلوا السير حتى وصلوا إلى مكان آمن.

مصدر الصورة

في الخيمة المجاورة داخل المستوصَف الذي تديره منظمة أطباء بلا حدود، وصفت يسرا إبراهيم محمد لحظة اتخاذ قرار الفرار من الفاشر بعد مقتل زوجها الذي كان جُندياً في صفوف الجيش السوداني.

تقول يسرا: "زوجي كان جنديا في سلاح المدفعية. وكان عائداً من الخدمة إلى بيته عندما داهمتْه الهجمات".

وتضيف لبي بي سي: "بقينا متحمّلين، ثم استمرتْ المصادمات والهجمات. ثم تمكنّا من الفرار".

وتتابع يسرا: "خرجنا من الفاشر قبل ثلاثة أيام، وسلَكنا طُرقاً مختلفة .. كان الناس يدلّوننا على الطريق دون أن يعرفوا ما الذي كان يحدث".

وتحكي يسرا: "كانوا يضربون كل مَن يقاوم ويسرقونه. كانوا يسرقون كلّ شيء. كانوا يعدمون الناس أحيانا. لقد شاهدتُ جثثاً ملقاة في الشوارع".

ومن منظمة أطباء بلا حدود، يقول الفاضل دخان إنه هو وزملاؤه يقدّمون الإسعافات لمَن يأتي من هؤلاء الفارّين – وإن بينهم 500 حالة في حاجة إلى العلاج بشكل عاجل.

ويلفت الفاضل إلى أن "معظم هؤلاء القادمين هم من كبار السن أو النساء أو الأطفال" وأنهم يعانون جروحاً وبعضهم مبتور الأطراف.

وانضمّ هؤلاء الواصلون الجدُد إلى الطويلة، إلى مئات الآلاف ممّن سبقوهم في الهرب من موجات العنف في الفاشر.

وقبل سقوط الفاشر يوم الأحد بأيدي قوات الدعم السريع، خضعتْ المدينة لحصار استمر زهاء 18 شهرا.

وتعرّض هؤلاء الذين كانوا محاصَرين داخل المدينة للقصف بالمدفعية وبالغارات الجوية بين الجيش من جانب والدعم السريع من جانب آخر في قتال ضارٍ من أجل السيطرة على حاضرة ولاية شمال دارفور وآخر معاقل الإقليم بأيدي الجيش.

كما عانى سُكان الفاشر طوال شهور الحصار من أزمة جوع حادّة، نظراً لتعذُّر وصول المساعدات الغذائية إلى داخل المدينة.

ونزح مئات الآلاف من ديارهم في أبريل/نيسان عندما سيطرت قوات الدعم السريع على معسكر زمزم للنازحين، القريب من المدنية.

مصدر الصورة

وأعرب مراقبون عن تخوّفهم من قلّة أعداد الواصلين حتى الآن إلى مناطق مثل الطويلة.

وقالت كارولين بوفوار، من منظمة التضامن الدولي في دولة تشاد المجاورة: "في حقيقة الأمر هذه مسألة مقلقة بالنسبة لنا. في الأيام القليلة الماضية وصل حوالي خمسة آلاف شخص، فيما نعتقد أن هناك حوالي رُبع مليون نسمة لا يزالون في الفاشر".

وتضيف بوفوار: "وتتراءى لنا الحال التي يصل عليها هؤلاء - من سوء تغذية حاد ومستويات جفاف عالية وإصابات وأمراض، فضلاً عمّا أصابهم من صدمات جرّاء المشاهِد المروّعة التي لاقوها على طول الطريق".

وتنبّه بوفوار: "نعتقد أن هناك العديد من الناس محاصرون الآن في مناطق مختلفة بين الطويلة والفاشر ولا يستطيعون مواصلة السير – إمّا لأنهم مصابون أو بسبب مخاوف أمنية على الطريق، حيث تقوم ميليشيات بمهاجمة الفارّين الباحثين عن نجاة".

وبالنسبة لعز الدين، لم يكتمل الارتياح بالوصول إلى مكان آمن بسبب مخاوف تتعلق بأولئك القادمين من خلفه على الطريق من الفاشر.

يقول عز الدين: "مناشدتي أنْ تؤمَّن الطُرق من أجل المواطنين، أو تُرسَل المساعدات الإنسانية إلى الشوارع. الناس في حالة حرجة – لا يمكنهم الحركة ولا التحدث ولا حتى الاستغاثة. ينبغي أن تصِلهم المساعدات، لأن الكثيرين بينهم مفقودون ويعانون".

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا