في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
تناول الباحث التركي المتخصص في الشؤون الأفريقية فاتح داغ أبعاد الأزمة الاقتصادية التي تواجهها مالي منذ مطلع سبتمبر/أيلول الماضي نتيجة أعمال تخريب استهدفت قطاع الوقود، ومدى تأثير الأزمة على استقرار البلاد.
وقال الكاتب في مقال نشره "مركز دراسات الشرق الأوسط"، إن " جماعة نصرة الإسلام والمسلمين " المرتبطة بالقاعدة فرضت حصارا على ممرات إمداد الوقود من الدول الساحلية المجاورة، مستهدفا الطرق والمستودعات والمولدات، وتسببت في شلل شبه تام في شبكة الكهرباء والنقل العام وسلاسل التبريد، فضلا عن ارتفاع حاد في الأسعار.
وأضاف أن موافقة الولايات المتحدة على مغادرة الموظفين غير الأساسيين وعائلاتهم هذا الأسبوع، تليها فرنسا وهولندا، زادت من حدة المخاوف الدولية من هذا الوضع الهش الذي تشهده مالي.
في هذا السياق، يقول داغ، إن محطات الوقود في باماكو أصبحت فارغة، وأن وسائل النقل العام متوقفة، كما أن المستشفيات تنظر بتوجس إلى الأيام القادمة بسبب نقص الكهرباء والأدوية والأكسجين، بينما وصل سعر لتر البنزين إلى نحو 15 يورو.
ويلفت الكاتب الانتباه إلى أن الحصار المفروض على إمدادات الوقود في مالي تجاوز الطابع الاقتصادي وأصبح أداة لإعادة تشكيل الواقع السياسي في البلاد، إذ تمكنت جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" من خلال سيطرتها على الإمدادات من فرض نفسها كسلطة تتحكم في تفاصيل الحياة اليومية.
ويشير الكاتب إلى أن التنظيم بات يفرض قيودا اجتماعية صارمة في المناطق التي يسيطر عليها، مثل إلزام النساء بارتداء النقاب في وسائل النقل العامة، ومعاقبة من يخالف أوامره عبر إجراءات عنيفة، ما يعكس انتقاله من ميدان المواجهة العسكرية مع السلطات، إلى لعب دور السلطة المدنية.
ويرى فاتح داغ أن هذا الواقع الجديد جعل الصراع بين الدولة والتنظيم يدور حول السيطرة على "شرايين الاقتصاد وحركة الناس" بدلا من السيطرة على الأرض، ما أدى إلى تآكل شرعية الدولة، مضيفا أن العجز العسكري عن كسر الحصار دفع السلطة إلى موجة من الإقالات داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية وكشف عن تصدعات عميقة بين القيادة السياسية والجيش.
ويوضح الكاتب أن الحكومة لجأت في ظل هذه الأزمة إلى المزيد من الانغلاق والرقابة، من خلال تعليق الانتخابات وحلّ الأحزاب والتضييق على الصحافة، ما أدى إلى تفشي الشائعات وانعدام الشفافية، وزاد من الاضطراب الاقتصادي والقلق الشعبي.
ويضيف إلى أن اعتماد الحكومة على " فيلق أفريقيا " الروسي في فرض سيطرتها لم يحقق الاستقرار المطلوب رغم الدعم الاستخباراتي، في ظل عدم القدرة على تأمين طرق الإمداد وغياب الشفافية في توزيع الطاقة.
ويرى الكاتب أن ردّ الحكومة القائم على استعراض القوة بدون تغيير السياسات بشكل فعلي وإصلاح مؤسسات الحكم لن يؤدي إلا إلى حلول مؤقتة، وسوف يسمح لـ"جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" بأن تواصل ترسيخ سلطتها عبر التحكم في الموارد وحركة السكان.
يضيف الكاتب أن تأثير الأحداث الحالية يتجاوز حدود مالي، لأن اقتصادات الدول الساحلية المجاورة يعتمد على تدفق العبور الآمن من مالي، ما يعني أن الأزمة قد تتعمق في ظل غياب التنسيق الأمني وتنتقل إلى دول أخرى.
ويقترح الكاتب إنشاء آلية إقليمية لتبادل المعلومات في الوقت الفعلي، وتنسيق خطط الحماية للإمدادات، وتقاسم تكاليف النقل والتأمين عبر صندوق مشترك، لتفادي انهيار الممرات التجارية في منطقة الساحل الأفريقي .
ويختم الكاتب بأن ما يواجه مالي اليوم ليس مجرد أزمة وقود، بل اختبار شامل لشرعية الدولة وسيادتها، مشددا على أن الشرعية لا تتحقق بالشعارات، بل بعودة الوقود إلى المحطات، وتقليص الطوابير، وضمان استمرار الخدمات وتبديد مخاوف الماليين.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة