آخر الأخبار

بروتوكول تعاون بين دمشق وسراييفو بشأن المفقودين السوريين

شارك

سراييفو- "نحن ميتين عايشين (أموات وأحياء)، لا نريد منكم المال ولا الإغاثة، نريد معرفة مصير أزواجنا"، كلمات تختصر معاناة عشرات آلاف العائلات، قالتها إحدى السيدات لرئيس الهيئة الوطنية للمفقودين في سوريا ، محمد رضا جلخي، في أحد لقاءاته مع عائلات المفقودين.

ويشكل هذا الملف بتشعباته وتعقيداته أحد أهم التحديات التي تواجها الحكومة السورية الحالية لأسباب تبدأ بعدم الوصول إلى رقم دقيق للمفقودين، ولا تنتهي بالتحديات اللوجستية والعملياتية للكشف عنهم.

وفي سبيل الاستفادة من تجارب رائدة في مجال البحث عن المفقودين، زار وفد من الهيئة الوطنية للمفقودين في سوريا البوسنة والهرسك التي لا تزال تعلن سنويا اكتشاف مفقودين رغم مرور 30 عاما على انتهاء الحرب فيها.

مصدر الصورة رضا جلخي أكد أن الهيئة تعمل على تجهيز بنك وطني للمفقودين بسوريا للوصول إلى إحصاء رسمي بأعدادهم (الجزيرة)

بروتوكول تعاون

ويقول رئيس الهيئة رضا جلخي إن تجربة البوسنة والهرسك ملهمة، نظرا للنجاح الملحوظ الذي حققته بتحديد مصير المفقودين بنسبة 75%، إضافة إلى أهميتها بتعزيز دور إرادة أهالي المفقودين بشكل عام، والأمهات خاصة، في المحافظة على قضية المفقودين كرمز ل لإبادة الجماعية التي عاشتها سربرنيتسا .

وزار الوفد السوري معهد المفقودين في البوسنة، والمدعي العام لجرائم الحرب، وممثلين عن المجتمع المدني وعائلات المفقودين، إضافة إلى النصب التذكاري للإبادة الجماعية في سربرنيتسا ومقابلة الأمهات فيها، واطلع كذلك على عمل اللجنة الدولية لشؤون المفقودين "آي سي إم بي" عبر زيارة مكاتبها ومخابرها.

وأضاف رضا جلخي للجزيرة نت "خلصنا من هذه الجولة بأفكار تتعلق بالتشريعات القانونية للمفقودين، وطرق التنسيق مع المؤسسات الأخرى، وأهمية العمل على تخليد ذكرى المفقودين في سوريا".

وأوضح أنه جرى الاتفاق على تنظيم زيارات إلى سوريا للعاملين في مؤسسة المفقودين في البوسنة، والنيابة العامة، ورابطة أمهات سربرنيتسا لنقل التجربة البوسنية عن قرب للسوريين.

إعلان

وأشار أيضا إلى أن العلاقة مع اللجنة الدولية لشؤون المفقودين قطعت أشواطا مقبولة في رسم مسار التعاون، خصوصا في ما يتعلق ببناء القدرات ودعم البنية التحتية الخاصة بالطب الشرعي وتكنولوجيا الحمض النووي "دي إن إيه"، كاشفا أن العلاقة بين الطرفين ستتوّج قريبا بتوقيع بروتوكول تعاون.

مصدر الصورة الوفد السوري خلال زيارته معرض "جغرافيا الإبادة الجماعية" في البوسنة (اللجنة الدولية لشؤون المفقودين على فيسبوك)

آليات ونتائج

وأكد المتحدث أن الهيئة تعمل على تجهيز بنك وطني للمفقودين في سوريا للوصول إلى إحصاء رسمي لأعداد المفقودين، يُبنى عليه في مسألة الدعم الذي يجب تقديمه لعائلات المفقودين والمختفين قسرا، وهي المهمة الثانية للهيئة، إلى جانب مهمتها بتحديد مصيرهم، وفق كلامه.

على الصعيد التشريعي، أوضح رضا جلخي أن الهيئة تناقش مسودة قانون خاص بالمفقودين في سوريا مع خبراء محليين ودوليين، في حين تعمل ميدانيا على افتتاح قريب لـ7 مراكز لها على امتداد الأراضي السورية، وكذلك في الخارج لمتابعة المفقودين السوريين.

ومن الأولويات التي حددتها الهيئة: إطلاق برامج تدريبات متنوعة للكوادر السورية لتمكينها من القيام بأعمال التوثيق والتعامل مع المقابر الجماعية وتكنولوجيا الحمض النووي والبصمة الوراثية بشكل مهني وعلمي.

من جهتها، تقول رئيسة برنامج غرب البلقان في اللجنة الدولية لشؤون المفقودين، سميرة كريهيتش، إنه أُبلغ عن فقدان أكثر من 40 ألف شخص في جميع أنحاء المنطقة عقب انتهاء حروب البلقان في التسعينيات.

وتضيف للجزيرة نت أن الأرقام "كانت مذهلة، ولكن لأول مرة في تاريخ هذه المنطقة كانت هناك نية سياسية واضحة لمعالجة قضية الأشخاص المفقودين". وكان التحدي الأبرز عدم وجود نموذج راسخ يُحتذى به، ولا مخطط عمل قائم أو تجربة مقارنة يمكن لدول يوغوسلافيا السابقة الاعتماد عليها، لذلك كان لا بد بناء العملية برمتها من الصفر.

وتؤكد كريهيتش أن أهم ما في ذلك أن حقوق عائلات المفقودين ومشاركتهم الفعّالة وُضعت في صميم العملية، وتضيف: "اليوم، تم تحديد مصير أكثر من 75% من نحو 40 ألف شخص أُبلغ عن فقدانهم"، موضحة أن العدد الأكبر من المفقودين (أكثر من 31 ألفا) كان في البوسنة والهرسك.

القانون والمبادئ

تشريعيا، وفَّر قانون الأشخاص المفقودين لعام 2004 -وهو الأول من نوعه في العالم- الأساس للعمل الطويل الأمد. فاستنادا إليه، أنشأت البوسنة معهد الأشخاص المفقودين على مستوى الدولة، ولا تزال تموّله بالكامل. ومن الجهات الفاعلة الرئيسية الأخرى: مكتب المدعي العام، وجمعيات عائلات المفقودين، وهي منظمات غير حكومية نشطة تدافع عن حقوقهم.

ورغم مرور 30 عاما على انتهاء الحرب، تقول كريهيتش إن كثيرين يجهلون أن العملية لا تزال مستمرة إلى حد كبير، فبينما لا تزال سربرنيتسا الموقع الأكثر بروزا بسبب الإبادة الجماعية التي ارتُكبت فيها، يستمر العمل في جميع أنحاء البلاد.

وتتلقى اللجنة يوميا طلبات للمساعدة الفنية، من دعم أعمال الحفر إلى أعمال مرافق التشريح. بل إنه حتى اليوم، لا يزال أفراد من عائلات المفقودين يتقدمون بعينات الحمض النووي، خصوصا أن قانون 2004 لا يحدّد مهلة زمنية معينة للإبلاغ عن المفقودين.

ولضمان استمرار التقدم، تشير كريهيتش إلى أن معهد المفقودين يستكشف الآن دمج التقنيات الجديدة التي يمكن أن تساعد في مواجهة تحديات مثل تغيّر التضاريس، ومرور الزمن، وفجوات البيانات.

مصدر الصورة وفد الهيئة السورية خلال زيارته النصب التذكاري ومقبرة سربرنيتسا (اللجنة الدولية لشؤون المفقودين على فيسبوك)

وحول زيارة هيئة المفقودين السوريين، تركّز كريهيتش على أن "لكل مرحلة من مراحل ما بعد النزاع خصوصيتها، ويجب أن تُصمّم الاستجابة بما يتناسب مع الظروف الخاصة لكل بلد. ومع ذلك، تُقدم دول غرب البلقان، وخاصة البوسنة والهرسك، دروسا قيّمة ومبادئ أساسية يمكن تطبيقها عالميا".

إعلان

وأهم هذه المبادئ:


* ضرورة ترسيخ الإرادة السياسية.
* إنشاء مؤسسات متخصصة.
* دمج العملية في أطر سيادة القانون.
* المشاركة الفعَّالة للأسر وتطبيق العلم منذ البداية، وهما عاملان أساسيان للنجاح. مصدر الصورة الوفد السوري زار البوسنة للاطلاع على تجربتها حول مفقودي الحرب (اللجنة الدولية لشؤون المفقودين على فيسبوك)

دور العائلات

وتقول كريهيتش "لا أعني بالعلم فقط الأساليب الأثرية والأنثروبولوجية (علم الإنسان) المتقدمة أو تحليل الحمض النووي لتحديد الهوية، بل أعني أيضا الإدارة المنهجية للبيانات".

وتضيف أن "من أهم الأمور التي أطلعت عليها الهيئة السورية خلال زيارتها ضرورة إنشاء قاعدة بيانات مركزية منذ البداية. ينبغي أن يرصد هذا النظام تفاصيل الأشخاص المفقودين وعائلاتهم وظروف اختفائهم أينما توافرت هذه المعلومات". ولاحقا، مع تطور العملية، تصبح قاعدة البيانات هذه بالغة الأهمية في تتبع التقدم وتوحيد البيانات.

لكن التحدي الأبرز يتمثّل في السباق مع الزمن، إذ تؤكد كريهيتش أنه كلما مر الوقت تعقّدت الجهود، إذ يتوفى الشهود، وتنتقل الأسر أو تفقد الأمل، ويصبح الحصول على المعلومات أصعب.

وتشدد على أن الدور المحوري لأي عملية فعّالة وذات مصداقية هو لعائلات المفقودين، داعية العائلات -عبر الجزيرة نت- للإبلاغ عن مفقوديهم والتواصل مع المؤسسات المعنية ومشاركة أي معلومات لديهم عن المفقودين أو المواقع المحتملة لدفنهم، مؤكدة أنه "حتى التفاصيل الصغيرة قد تكون حاسمة".

ولفتت إلى أنه في حال وجود مخاوف بشأن السلامة أو الخصوصية، تتوفر قنوات آمنة ومجهولة، خصوصا أن الموقع الإلكتروني التابع للجنة الدولية لشؤون المفقودين يتيح للأفراد الإبلاغ عن معلومات عن الأشخاص المفقودين أو مواقع القبور المحتملة في أي مكان في العالم -من دون الكشف عن هويتهم تماما- عبر وضع علامة على خريطة رقمية.

ولا يقتصر دور العائلات على الإبلاغ فقط، بحسب كريهيتش، بل من خلال البحث عن المعلومات أيضا، وطرح الأسئلة، والدفاع عن حقوقهم، ومحاسبة المؤسسات، إذ لا يعزز هذا التواصل الجهود فحسب، بل يساعد أيضا على ضمان شموليتها وشفافيتها وتأسيسها على الحقيقة والعدالة.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا