في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في مشهد غير مألوف على الإطلاق في الحرب الأوكرانية، برزت مجموعة صغيرة من متطوعين صينيين اختاروا القتال في صفوف الجيش الأوكراني، متحدّين حكومتهم والرأي العام في بلادهم، في خطوة تنطوي على مجازفة شخصية وسياسية جسيمة.
وترصد صحيفة غارديان البريطانية في تحقيق إخباري قصص بعض هؤلاء المقاتلين، وفي مقدمتهم تيم وفان، اللذان غادرا الصين مدفوعَين بإحساس عميق بالعجز والاغتراب، بحثا عن معنى جديد للحياة، وعن قضية يريان فيها ما يتجاوز حدود الخوف والانتماء الجغرافي.
وكان تيم البالغ من العمر 43 عاما يتنقّل لمدة عام كامل بين الصين و أوكرانيا حتى وصل إلى قناعة بأن الأخيرة تمثل له "مستقبلا مشرقا"، لكن هجومًا روسيًّا على مستشفى أطفال دفعه لاتخاذ قراره النهائي بالالتحاق بالجيش الأوكراني.
واليوم، يعمل تيم مهندسا للطائرات المسيّرة في جنوب البلاد، ويقول إنه رأى في انضمامه للجيش سبيلا لتكريس إنسانيته وإعادة تعريف انتمائه خارج حدود الصين.
وقبل قدومه إلى أوكرانيا، كان تيم يعاني من بطالة طويلة في الصين، ويشعر بخيبة من انسداد أفق الحريات السياسية هناك. وكان يتابع الحرب عبر تطبيق "في بي إن"، ويصف الإعلام الرسمي في بلاده بأنه "يتحرّى الكذب".
وتحدث تيم لغارديان عن الأوضاع في الصين قائلا إنه "قبل 15 عاما، كنت تستطيع أن ترى المشكلات، وتتكلم عنها بحرية، وأن تجد من يناقشك فيها. أما الآن فذلك لم يعد ممكنا". وأضاف: "لا أقرأ الأخبار على المواقع الصينية إطلاقا.. لأنها مزيفة جميعها".
وفي المقابل، هناك متطوع آخر يُدعى "فان" (اكتفت الصحيفة بذكر لقبه لحماية هويته) غادر الصين أيضا بحثا عن مخرج من واقع بدا ميؤوسا منه.
ويشير التحقيق الصحفي إلى أن فان (39 عاما) رجل أعمال سابق يرمز إلى جيل محبط اقتصاديا وسياسيا داخل الصين، فقد خسر مشاريعه خلال جائحة "كوفيد-19″، وتراكمت عليه ديون ضخمة، قبل أن يقرر المغامرة بالانضمام إلى صفوف الأوكرانيين.
لم يكن فان ناشطا سياسيا، لكنه ضاق ذرعا بمناخ القمع واعتقال المدونين لمجرد التعبير عن آراء مخالفة. يقول "لم أصوّت في حياتي قط، ولا أريد أن ينشأ طفلي في بيئة لا تُسمع فيها أصوات الشعب".
لا يعرف فان بعد كيف سيجلب عائلته لأوكرانيا، لكن غارديان تقول إنه يدرك أن العودة إلى الصين قد تكون خطيرة. "فالقانون الصيني لا يحظر صراحة الانضمام لجيوش أجنبية إلا إذا تعارض ذلك مع الأمن القومي"، لكن كثيرين يخشون الانتقام. وقال مقاتل صيني آخر، يُعرف باسمه الحركي "برونكو"، إن شرطة الأمن الوطني الصينية استجوبت أسرته بشأنه.
تكشف شهادات تيم وفان عن شريحة صينية نادرة تتعاطف مع أوكرانيا رغم الهيمنة شبه الكاملة للدعاية المؤيدة لروسيا في الإعلام الصيني.
فقد أظهرت دراسة للأكاديمي تاو وانغ من جامعة مانشستر متروبوليتان أن 80% من الصينيين كانوا مؤيدين لروسيا في العام الأول من الحرب، مضيفا أن "الإعلام الرسمي نجح في توجيه الرأي العام لصالح موسكو ".
ومع ذلك، توجد "شريحة معتبرة من الصينيين تتعاطف مع أوكرانيا لكنها غير مرئية إلى حد كبير"، لأن التعبير عن مثل هذه المواقف "يُعد خروجا عن المألوف"، على حد تعبير الأكاديمي تاو.
ومن جهة أخرى، توضح التقارير أن آلاف المقاتلين الأجانب يقاتلون في صفوف أوكرانيا، منهم نحو 8 آلاف في القوات البرية وحدها، ويتقاضى بعضهم رواتب تصل إلى 3 آلاف دولار شهريا في المهام الخطرة.
ويُقدّر عدد الصينيين هناك بنحو 150 فقط، مقارنة بأعداد أكبر يقاتلون إلى جانب روسيا بدافع المال، وفق ما أعلنه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي .
وتختتم الصحيفة تقريرها بعبارات للمتطوع تيم قال فيها إن وجوده في أوكرانيا يخدم أهدافا عدة "أولها بناء حياة جديدة لي ولعائلتي في أوروبا. وثانيها، أريد أن يعرف العالم أن في الصين أناسا طيبين وأفكارا إيجابية. كما لا أريده أن يفقد الأمل في الصين".