آخر الأخبار

السيادة الوطنية والمصالح الإستراتيجية تحكم تعديل الاتفاقيات الروسية السورية

شارك

دمشق- في أعقاب الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، دخلت العلاقات السورية الروسية مرحلة انتقالية حاسمة، وُصفت بالبراغماتية التي تسعى للتوازن بين المصالح المشتركة والمطالب السيادية.

وشكلت زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع ، الأربعاء، إلى موسكو، ولقاؤه بنظيره فلاديمير بوتين ، نقطة تحول رئيسية في إعادة تعريف هذه العلاقات.

وتُعد الاتفاقيات بين البلدين محور النقاش بين الشرع وبوتين، وتشمل ملفات إستراتيجية وعسكرية. ومن المتوقع تجديد احتفاظ روسيا بقاعدتي حميميم الجوية وطرطوس البحرية على الساحل السوري .

منفعة مشتركة

من جانبه، قال المحلل السياسي رامي الشاعر، المقرب من دوائر صناعة القرار في روسيا، للجزيرة نت إن موسكو تركز على تحقيق المنفعة المشتركة في المجالات العسكرية والأمنية والإنسانية.

وأوضح أن قاعدة ميناء طرطوس تدعم الأسطول الروسي في البحر الأبيض المتوسط والمحيطات الأخرى بناء على اتفاقية طويلة الأمد، بينما بدأت قاعدة حميميم مهامها عام 2015 بناء على طلب النظام السوري السابق لمواجهة "التنظيمات الإرهابية"، و"بما يتماشى مع قرارات مجلس الأمن ".

وبرأيه، فإن الظروف الراهنة تستدعي إعادة تقييم الوجود العسكري الروسي مشددا على أنه "رسمي ويتماشى مع القانون الدولي". وأضاف أن القيادة السورية الحالية لم تلغِ طلب هذا الوجود، بل أبدت رغبتها في مواصلة التنسيق مع موسكو، مع التركيز على استخدام القاعدتين لأغراض لوجيستية، بما في ذلك نقل المساعدات الإنسانية إلى أفريقيا.

وأشار إلى "ثقة القيادة السورية بروسيا، التي تحترم العلاقات التاريخية بين البلدين منذ 1944″، دون السعي لتثبيت نفوذها في دمشق. وخلال زيارة الشرع، أكد اهتمام سوريا بتطوير العلاقات مع موسكو في الطاقة والزراعة والمياه وبناء المصانع لدعم الاقتصاد المتضرر من العقوبات.

إعلان

وتعوّل سوريا -وفق الشاعر- على روسيا لتجاوز العقوبات الغربية كونها شريكا إستراتيجيا قادرا على دعمها عبر مشاريع مشتركة، مما يعزز استقرارها الاقتصادي والتنموي. ويرى أن موسكو "شريك موثوق يحترم سيادة دمشق ويسعى لتعزيز العلاقات الثنائية على أسس المنفعة المشتركة".

وكان بوتين قد أكد، خلال لقائه الشرع، أن البلدين "يتمتعان بعلاقات خاصة على مدى عقود، وأن موسكو استرشدت بمصالح الشعب السوري". وأضاف "نحترم الاتفاقيات السابقة ونريد إعادة تعريف العلاقات المشتركة".

فيما قال الرئيس الشرع إن "سوريا الجديدة تعيد ربط العلاقات الإستراتيجية مع الدول، وعلى رأسها روسيا"، مؤكدا احترام الاتفاقيات السابقة مع محاولة إعادة تعريف العلاقات.

مصدر الصورة مطار حميميم باللاذقية (الجزيرة)

اتفاقيات "جائرة"

من جهته، أكد الباحث في الشؤون الروسية محمود الحمزة للجزيرة نت أن إعادة النظر في الاتفاقيات المبرمة مع نظام الأسد شرط أساسي لإعادة بناء التعاون مع سوريا الجديدة. ووصفها بـ"الجائرة" لأنها "تضمنت تنازلات عن السيادة لصالح بقاء الرئيس المخلوع".

وأوضح أن موسكو مقتنعة الآن بالتعامل مع الحكومة الجديدة على أساس الندية واحترام سيادة سوريا. وأشار إلى أن دمشق ترى في هذا التعاون فرصة مفيدة في ظل التحديات الداخلية والخارجية، منوها بتصريحات الشرع للجالية السورية في روسيا، التي دعت للتركيز على تسوية العلاقات والبناء الداخلي دون فتح عداوات.

وحسب الحمزة، فإن موسكو، بعلاقاتها مع إسرائيل وعضويتها في مجلس الأمن، يمكن أن تسهم في فتح آفاق إيجابية لسوريا، لكن دون زيادة نفوذها، مع تحديد العلاقات بدقة لضمان السيادة.

مصدر الصورة جندي من الجيش السوري أمام قاعدة حميميم (الجزيرة)

من المتوقع تجديد احتفاظ موسكو بالقاعدتين في حميميم وطرطوس، مع تحويلهما إلى مراكز لتوزيع المساعدات وإعادة الإعمار. وأعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن بوتين والشرع ناقشا "كل شيء"، بما في ذلك القواعد العسكرية.

وستشارك الشركات الروسية في إعادة إعمار البنية التحتية، مع دعم موسكو لرفع العقوبات في مجلس الأمن. وتناول الباحث الحمزة قضية تسليم الرئيس السابق بشار الأسد، ووصفها بالمسألة "الشائكة".

وقال إن الشرع "ناقشها مع بوتين، لكن الأخير يرفض تسليم أي زعيم حصل على لجوء إنساني في روسيا، معتبرا ذلك مسّا بسمعته". وأضاف أن وجود أموال وضباط من النظام السابق في روسيا يزيد من تعقيد الملف.

وأكد أن تحديد الوجود العسكري الروسي سيضمن اقتصاره على حميميم، التي قد تتحول إلى مركز مساعدات، مع استفادة سوريا من موسكو في تسيير دوريات على الحدود الجنوبية وفي مناطق قوات سوريا الديمقراطية "قسد".

شرط التوازن

ونقلت وكالة رويترز عن مصدر سوري أن الشرع طلب تسليم الأسد خلال زيارة وفد روسي إلى دمشق في يناير/كانون الثاني 2025، كشرط لإعادة الثقة، مع طلب تعويضات ودعم إعادة الإعمار.

لكن السفير الروسي في بغداد إلبروس كوتراشيف، أكد في تصريح تلفزيوني بأبريل/نيسان 2025 أن تسليم الأسد "غير وارد" لأنه يتمتع بلجوء إنساني. وأقر الشرع في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز أن التسليم كان "شرطا لاستمرار الوجود العسكري الروسي، لكن موسكو رفضت".

إعلان

ويُرجح استخدام ملف الأسد في مقايضات غير مباشرة، مثل دعم روسيا لرفع العقوبات مقابل تجديد الاتفاقيات العسكرية.

في السياق، أوضح ممثل التحالف السوري الوطني ماهر التمران للجزيرة نت أن تعديل الاتفاقيات العسكرية يتطلب توازنا بين السيادة والمصلحة. وأشار إلى أن قاعدتي حميميم وطرطوس أصبحتا عنصرا أساسيا في الأمن الإقليمي، وأن ضمان السيادة يكمن في إعادة تعريف الاتفاقيات ضمن إطار وطني يحدد المدة والصلاحيات، ليصبح الوجود الروسي تعاونا محدودا.

ووفقا له، تواجه الحكومة السورية معادلة معقدة تتمثل في حاجتها للدعم الروسي في البنية التحتية والتسليح والوقود والقمح، مع الحفاظ على استقلالية القرار.

وحدد التحديات في انقسام النخب السياسية بين مؤيدي موسكو ومن يخشون نفوذها، والضغط الشعبي لاستعادة القرار الوطني، وضعف المؤسسات بسبب الحرب. وأكد أن الحكومة تتبنى نهجا واقعيا يعتمد على مبادلة المصالح، لا الولاء.

وأضاف التمران أن دمشق تسعى لتحويل العلاقة مع روسيا إلى أداة دبلوماسية متوازنة، مستفيدة من تأثيرها في مجلس الأمن وملفات الطاقة والتسليح لتخفيف العزلة الدولية. وشدد على أهمية التوازن مع دول الخليج وتركيا وأوروبا لمنح الحكومة هامش مناورة أوسع.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا