في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
غزة- أكدت وزارة الداخلية في غزة أن الاحتلال الإسرائيلي ركّز خلال العامين الماضيين من الحرب على استهداف عناصرها، في محاولة لضرب واحد من أهم عوامل صمود الشعب الفلسطيني في وجه العدوان.
وقالت الوزارة في بيان لها إنها رغم الثمن الفادح الذي دفعته من خيرة قادتها وضباطها، فإنها واصلت العمل بكل الإمكانات المتاحة في ظل ظروف بالغة التعقيد، وتصدّت لمخططات الاحتلال الرامية إلى إشاعة الفوضى والفلتان داخل المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة .
وأضافت أن أجهزتها الأمنية والشرطية بدأت بالانتشار في المناطق التي انسحب منها جيش الاحتلال في محافظات القطاع كافة، حيث تعمل على استعادة النظام ومعالجة مظاهر الفوضى التي سعى الاحتلال إلى نشرها طوال العامين الماضيين.
وناشدت الوزارة المواطنين بالمحافظة على الممتلكات العامة والخاصة، والابتعاد عن أي تصرفات قد تشكل خطرا على حياتهم، داعية إلى التعاون مع عناصر الأجهزة الشرطية والأمنية والخدماتية حرصا على أمنهم وسلامتهم، وختمت بالدعوة إلى الالتزام بالتوجيهات والتعليمات الصادرة عن الجهات المختصة في أجهزة الوزارة خلال الأيام المقبلة.
وأثار البيان اهتماما واسعا بين المواطنين والمراقبين لما حمله من مضامين تتعلق بإعادة ضبط المشهدين الأمني والإنساني، بعد حرب وُصفت بأنها الأعنف في تاريخ القطاع.
وجاء البيان بعد الإعلان عن اتفاق لوقف حرب الإبادة والعدوان على الشعب الفلسطيني، ليبدو بمثابة خريطة طريق لمرحلة حساسة تتطلب إعادة تنظيم الجبهة الداخلية وبناء الثقة المجتمعية، بعد عامين من الاستهداف الممنهج.
كما أعلنت الأجهزة الأمنية في غزة عن إطلاق حملة شاملة لضبط العناصر المنفلتة أمنيا والمتعاونين مع الاحتلال خلال عامي الحرب، في إطار جهودها لتعزيز الأمن والاستقرار وحماية حقوق المواطنين.
كما أنها فتحت باب العفو العام أمام من التحق بتلك العصابات ولم يتورط في ارتكاب جرائم، مانحةً إياهم فرصة لتسليم أنفسهم للأجهزة الأمنية خلال أسبوع.
وتهدف الحملة إلى محاسبة كل من تورط في نهب أموال المواطنين أو الاعتداء على الممتلكات، سواء من بعض التجار أو العاملين في المؤسسات الإنسانية والإغاثية، إضافة إلى ملاحقة من شارك في قطع الطرق أو ساهم في تعميق معاناة الناس خلال الفترة الماضية.
وشددت الأجهزة على أن الحملة تأتي في إطار فرض النظام وسيادة القانون، وأن التعامل سيكون بحزم وعدالة مع كل من يثبت تورطه في أعمال تضر بالأمن المجتمعي أو بالمصلحة الوطنية.
ويرى مراقبون أن توقيت البيان جاء مدروسا بعناية، ليواكب مرحلة الانتقال من الحرب إلى إعادة الاستقرار، وقال الحقوقي والخبير القانوني صلاح عبد العاطي للجزيرة نت إن "الخطوة وتوقيتها مهمّان للغاية لملء الفراغ الأمني، وضمان ترتيب الأوضاع، والحفاظ على السلم الأهلي والتماسك الاجتماعي، ومنع الجريمة وحماية المدنيين من العصابات الخارجة عن القانون".
وأضاف "لا يمكن أن يُترك قطاع غزة من دون إدارة ضابطة وقوة فاعلة، وبالتالي فإن ما قامت به وزارة الداخلية يتماشى مع دورها الطبيعي في تعزيز الأمن وإنفاذ القانون إلى حين ترتيب المشهد الجديد للحكم في القطاع".
وأوضح أن إسرائيل استهدفت خلال الحرب المقرات الشرطية والمحاكم والنيابة العامة ورجال الأمن والقانون أثناء قيامهم بمهامهم، ما أدى إلى انتشار الفوضى والانفلات الأمني والجريمة والاحتكار والتعدي على الحقوق والحريات.
وأضاف "من مخاطر هذه الخطوة أنها قد تُظهر أن حركة حماس ما زالت تمسك بزمام الأمور في غزة، وهو ما قد تتخذه إسرائيل ذريعة لعودة الحرب".
ومع الإعلان عن وقف الحرب، برزت الحاجة الماسّة إلى إعادة تنظيم المشهد الداخلي، لا سيما في ظل الفراغ الأمني. واعتبر الأكاديمي الفلسطيني حسن عبد الرؤوف، في حديثه للجزيرة نت، أن "قطاع غزة منطقة شديدة الحساسية بسبب كثافته السكانية وحصاره الطويل ووضعه السياسي المعقد"، مشيرا إلى أن "وجود أجهزة أمنية منظمة ضرورة ملحّة، لأن الانفلات سيكون كارثة على الناس، وضبط الأمن ليس ترفا بل مسألة حياة أو موت".
ووضح أن بيان الداخلية يحمل رسائل مزدوجة، فداخليا، يهدف لطمأنة المجتمع بأن الأجهزة الأمنية جاهزة لاستعادة النظام وحماية المواطنين، وخارجيا يؤكد على أن غزة لن تُترك للفوضى، وأن مؤسساتها قادرة على ضبط الميدان رغم الدمار الكبير.
أما المواطنة ميرفت حميد فقالت للجزيرة نت إن "الظروف القاسية التي عاشها المواطنون خلال الحرب أثبتت أن المنظومة الأمنية ليست مجرد مؤسسة إدارية، بل ركيزة للصمود الاجتماعي والإنساني في ظل الانهيار العام الذي أصاب المجتمع"، وأضافت "نحن بحاجة إلى من يعيد النظام ويحمي الممتلكات بعد كل ما جرى من انفلات وانهيار".
من جانبه، عبّر الإعلامي زكريا محمد عن أمله في أن تكون هذه الخطوة فرصة حقيقية لعودة الأمن والهدوء، وإنهاء مرحلة الحرب وما رافقها من فوضى، وقال للجزيرة نت إن "استعادة الاستقرار تتطلب إدارة مسؤولة ومهنية للملف الأمني بعيدا عن التجاذبات السياسية، بما يضمن حماية المواطنين وصون كرامتهم وإعادة الثقة بين الناس ومؤسساتهم".
وخلال المتابعة الميدانية لاحظت الجزيرة نت انتشارا لعناصر الأجهزة الأمنية في مناطق متعددة من غزة، في مشهد يعكس محاولة واضحة لإعادة فرض السيطرة الميدانية، في وقت لا تزال فيه الأوضاع الأمنية والسياسية تتسم بالحذر والتوتر.
وأشار الخبير في الشأن الأمني والسياسي أحمد عبد الرحمن إلى أن وزارة الداخلية تتبع نهج الانتشار التدريجي، بدءا من المناطق المستقرة أمنيا، مع تركيز خاص على حماية الممتلكات العامة ومنع أي تجاوزات فردية أو أعمال انتقامية.
وأكد أن البيان يفتح الباب أمام مرحلة جديدة عنوانها استعادة الاستقرار التدريجي، وأن نجاح الداخلية في تنفيذ ما ورد فيه سيعزز ثقة المواطنين بالمؤسسات، ويقلل من مظاهر الانفلات، ويمهّد الطريق لإعادة الإعمار والمصالحة المجتمعية.
وبين أن الانتشار لا يقتصر على تسيير الدوريات، بل يشمل إعادة تشغيل مراكز الشرطة وتفعيل الطواقم الخدمية وتأمين المرافق العامة والمستشفيات والمؤسسات التعليمية.
وقال للجزيرة نت "الهدف هو إعادة الثقة بين الأجهزة الأمنية والمواطنين عبر إظهار الانضباط والالتزام بالقانون، ونجاح الخطة مرهون بمدى التنسيق مع الفصائل والقوى المدنية في الميدان".
وختم بالقول "أي إخفاق في ضبط السلوك الميداني قد يعرّض المشهد الأمني لمزيد من التعقيد ويقوّض الجهود الرامية لاستعادة الاستقرار".
عاجل | وزارة الداخلية في غزة للجزيرة: سنضرب بيد من حديد كل من يعبث بأمن المواطنين أو يتعاون مع الاحتلال pic.twitter.com/4vOZjsFAPk
— الجزيرة فلسطين (@AJA_Palestine) October 3, 2025
وفي السياق، شرعت بلدية النصيرات في تنفيذ حملة ميدانية شاملة بالتعاون مع شرطة البلديات لضبط الأسواق وتنظيم الشوارع، وعلى رأسها شارع أبو بكر الصديق، بهدف تحسين المشهد العام وتسهيل حركة المشاة والمركبات.
وقال محمد الصالحي، رئيس لجنة طوارئ بلدية النصيرات، للجزيرة نت إن "البلديات تلعب دورا محوريا في ضبط وتنظيم الأسواق داخل المخيمات والمناطق المحيطة، ومنع التعديات والإشغالات الجديدة، وضمان التزام الجميع بالتعليمات حفاظا على النظام والسلامة العامة".
وأضاف أن "الإجراءات الإدارية والميدانية الجارية تهدف إلى تحقيق النظام العام وضمان انسيابية الحركة وسلامة المواطنين، بما يحقق التوازن بين المصلحة العامة وحق الناس في ممارسة أعمالهم بشكل منظم وآمن".