في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
الرباط- شهدت عدة مدن مغربية، منذ أيام، وقفات احتجاجية للتنديد بتردي أوضاع المستشفيات الحكومية وغياب خدمات صحية أساسية، في وقت تتزايد فيه شكاوى المواطنين من طول فترات الانتظار للحصول على مواعيد طبية ونقص الأدوية والمعدات وضعف البنية التحتية الصحية.
ويأتي هذا الحراك الشعبي في سياق نقاش وطني متصاعد حول واقع المنظومة الصحية وضرورة الإسراع بإصلاحها بما يضمن الحق في العلاج والرعاية لكل المواطنين.
وبدأت التحركات من مدينة أغادير ، حين نظم مواطنون وقفات احتجاجية أمام مستشفى " الحسن الثاني الحكومي" بدعوة من فعاليات مدنية ونقابية للتعبير عن استيائهم من تردي الخدمات الطبية وتعطل أجهزة حيوية ونقص الكوادر الطبية.
واستنكر المتظاهرون ما وُصف بـ"الاستهتار بالأرواح"، خاصة بعد واقعة وفاة 6 نساء حوامل بعد خضوعهن لعمليات قيصرية داخل المستشفى.
ومنتصف الشهر الجاري، زار وزير الصحة والحماية الاجتماعية أمين التهراوي المستشفى، وأعلن حزمة قرارات منها إعفاء عدد من المسؤولين الصحيين الإقليميين والجهويين، ووقف التعاقد مع شركات النظافة والحراسة، وأقر في تصريحات صحفية بوجود "اختلالات" (عجز) في المستشفى وقال "إننا نراها ولا يمكن إنكارها". وزار بعدها مستشفيات حكومية أخرى في مدن الناظور والدريوش ومكناس.
وانتقلت عدوى الاحتجاجات إلى مدن أخرى نهاية الأسبوع المنصرم، إذ شهدت مدن تاونات والصويرة و مكناس وقفات احتجاجية، وأصدرت السلطات المحلية في مدن أخرى مثل بني ملال وسطات وتزنيت وطاطا قرارات بمنع تنظيم أي أشكال احتجاجية دعت إليها "جهات مجهولة" على مواقع التواصل الاجتماعي أمام المستشفيات.
من جهة أخرى، يتم تداول دعوات لتنظيم احتجاجات وطنية في مختلف المدن يومي 26 و27 سبتمبر/أيلول الجاري للمطالبة بتحسين ظروف الاستشفاء وضمان الحق في العلاج في المستشفيات الحكومية، في حين لم تتبنَ أية هيئة مدنية أو نقابية هذه الدعوات التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتواجه المنظومة الصحية في المغرب تحديات كبيرة نتيجة هشاشة البنى التحتية، ونقص الموارد البشرية خاصة الأطباء، وضعف التجهيزات والمعدات، وغياب ظروف ملائمة للاستشفاء، مما يدفع نسبة من المرضى إلى اللجوء للقطاع الخاص أو الاستدانة أو طلب مساعدة المحسنين والجمعيات الاجتماعية لتلقي العلاج.
وتراهن الحكومة على برامج إصلاحية أبرزها تعميم التغطية الصحية والتأمين الإجباري على المرض، إلى جانب مشاريع لتأهيل المستشفيات وتحفيز الأطر الطبية.
وقال رئيس الحكومة عزيز أخنوش ، يوم السبت الماضي، إن الحكومة قامت بعمل كبير في مجال الصحة، سواء تعلق الأمر بإعداد القوانين أو في موازنة هذا القطاع، مشيرا إلى أن عددا من المستشفيات الجامعية سيتم افتتاحها هذه السنة وأخرى في السنة المقبلة.
ودعا وزير الصحة إلى اتخاذ ما يلزم في حق الذين لا يؤدون واجباتهم المهنية في المستشفيات الحكومية.
ويوجد في المغرب 6 مستشفيات جامعية في مدن الرباط و الدار البيضاء و فاس و مراكش ووجدة و طنجة ، ثم المستشفى الجامعي بأغادير الذي أصبح جاهزا لكن لم يتم افتتاحه بعد. في حين توجد مستشفيات جامعية جديدة قيد الإنشاء في مدن العيون والراشدية وبني ملال وكلميم.
وأطلقت الحكومة برنامجا لإعادة تأهيل 83 مستشفى بسعة إجمالية تصل إلى 8 آلاف و700 سرير. وبرنامجا لتأهيل 1400 مركز صحي على الصعيد الوطني، وتم الانتهاء من تأهيل قرابة 950 مركزا صحيا، على أن يتم استكمال باقي المشاريع في نهاية 2025.
تركزت الوقفات الاحتجاجية في المدن الصغيرة وتلك البعيدة عن العاصمة، مما يعكس حجم الفوارق بين المدن الكبرى التي تتوفر على تجهيزات متقدمة نسبيا والمناطق البعيدة عن المركز التي تعاني نقصا حادا في البنية التحتية الصحية.
وقال رئيس "الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة" علي لطفي، إن الاحتجاجات الراهنة على وضعية المستشفيات الحكومية تمثل حقا مشروعا ينبع من معاناة حقيقية ومتراكمة، مشددا على أنها "لا تمت لمصالح أو أهداف سياسية كما يروج البعض".
وأوضح للجزيرة نت، أن هذه الاحتجاجات جاءت نتيجة "اختلالات هيكلية واضحة وضعف ملحوظ في جودة الخدمات الصحية، إضافة إلى المعاناة اليومية للمواطنين في الوصول للعلاج وتوفير الأدوية الضرورية".
وأكد المتحدث أن المواطنين "يصطدمون بأزمات متعددة، من بينها طول فترات الانتظار التي قد تمتد لأشهر للحصول على مواعيد لدى الأطباء الأخصائيين، أو الاستفادة من تشخيص دقيق باستخدام معدات متقدمة مثل أجهزة التصوير المختلفة أو التحاليل البيولوجية، فضلا عن غياب أدوية أساسية، مما يعرض صحتهم وحياتهم لمخاطر حقيقية".
وأضاف لطفي أن تمويل قطاع الصحة لا يزال أقل من المعدلات الدولية، إذ لا تتجاوز الموازنة المخصصة للصحة 6% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بمتوسط عالمي يقارب 8.2%، مما يترك المستشفيات في حالة عجز مالي وبشري كبير.
وانتقلت الموازنة المخصصة لوزارة الصحة من 19.7 مليار درهم (حوالي 2.18 مليار دولار) سنة 2021 إلى 32.6 مليار درهم (حوالي 3.61 مليار دولار) سنة 2025.
من جانبه، قال الباحث في السياسات والنظم العمومية الدكتور الطيب حمضي، إن الصحة تمثل إحدى المعضلات الكبرى بالنسبة للمواطن المغربي، مبينا أن المغاربة يدفعون حوالي 60% من مصاريف العلاج من جيوبهم، مما يشكل عبئا مهولا على القدرة الشرائية ويدفع الكثيرين إلى التخلي عن العلاج.
وأضاف، في حديث مع الجزيرة نت، أنه "حتى المؤمّنين في أنظمة الحماية الاجتماعية يدفعون من جيوبهم أكثر من نصف المصاريف الصحية رغم تسديدهم للاشتراكات، مما يثير قلق الأسر المغربية ويزيد من فقدان الثقة في المنظومة الصحية الحكومية".
وأوضح المتحدث أن الطبقة المتوسطة بدأت تعود تدريجيا للقطاع العام تحت ضغط ضعف القدرة الشرائية والتضخم وتطالب بإصلاحه، معتبرا أن الحق في الاختيار بين العام والخاص يجب أن يكون مكفولا للمواطن.
وأشار حمضي إلى أن المستشفى الحكومي يعاني وضعا مَرَضيا رغم حجم الاستثمارات فيه، وهو ما يظهر من خلال مؤشرين:
وتعد الموارد البشرية واحدة من معضلات قطاع الصحة في المغرب، إذ يعمل في وزارة الصحة حوالي 73 ألف كادر منهم 15 ألفا و600 طبيب و41 ألفا و600 ممرض وتقني صحة و16 ألفا و500 من الكوادر الإدارية والتقنية.
ويحتاج المغرب إلى 34 ألف طبيب إضافي ليكون في الحدود الدنيا لمعايير منظمة الصحة العالمية.
ويقول علي لطفي إن توزيع هذه الموارد البشرية متفاوت جغرافيا بشكل صارخ، إذ تتركز الكوادر الصحية في المدن الكبرى، في حين تندُر في المناطق النائية والقروية.
أما الطيب حمضي، فأكد أن الأزمة ليست مرتبطة فقط بالتمويل أو بالموارد البشرية، بل أيضا بضعف الحكامة (الحوكمة/طريقة الإدارة) ونقص الثقة لدى المواطنين.
وقال "نحتاج إلى أجور وظروف عمل جاذبة للأطباء، وإلى حكامة فعالة قادرة على تقليص آجال المواعيد، وإلى ضخ ميزانيات ملموسة حتى يشعر المواطن بأن الإصلاحات تعود بالنفع عليه".
ومع تواصل النقاش حول الخدمات الصحية الحكومية والدعوات للاحتجاج يظل السؤال مطروحا: هل ستدفع هذه الضغوط الاجتماعية الحكومة إلى تسريع وتيرة الإصلاح الصحي أم أن المطالب ستبقى معلقة في انتظار قرارات أكثر جرأة؟
وفي هذا الصدد، يرى علي لطفي أن هذه الاحتجاجات تشكل ضغطا إيجابيا على الحكومة لتسريع وتيرة الإصلاحات الصحية، وتعزيز الاستثمار في البنية التحتية وزيادة الموارد البشرية وإعادة ترتيب الأولويات الاجتماعية بالتركيز على الصحة والتعليم كركيزتين أساسيتين للتنمية المستدامة.
بدوره، اعتبر الطيب حمضي أن الاحتجاجات رسالة قوية لتسريع وتيرة الإصلاحات، موضحا أن الصحة بالنسبة للمغرب لا ينظر إليها كحق دستوري فقط، بل كشرط أساسي للتحول إلى دولة صاعدة.