في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
طرابلس- تبحر سفينة "عمر المختار" من كورنيش العاصمة الليبية طرابلس نحو المياه الإقليمية -مساء اليوم الخميس- لتلتحق ب أسطول الصمود العالمي المتجه نحو قطاع غزة .
وتأتي هذه الرحلة، التي انطلقت على وقع ذكرى يوم الشهيد في 16 سبتمبر/أيلول، الذي يصادف إعدام القائد الليبي التاريخي عمر المختار عام 1931، ضمن سلسلة من المبادرات الإنسانية التي تهدف لكسر الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة.
واختير يوم استشهاد "المختار" لانطلاق السفينة لما يحمله من رمزية في الذاكرة الليبية، حيث يُحتفى به سنويا وبشهداء المقاومة ضد الاستعمار الإيطالي.
وتوافد أهالي طرابلس إلى الكورنيش لتوديع السفينة، التي تقل 20 مشاركا من أطباء وصحفيين ونشطاء من ليبيا والدول الغربية، حيث رفرفت الأعلام الفلسطينية والليبية جنبا إلى جنب، وعلت الزغاريد والهتافات، فيما لوَّح المشاركون بالأعلام وهم يودعون المدينة، في مشهد اختلطت فيه رمزية ذكرى الشهيد عمر المختار مع التضامن الإنساني.
وكان قد تم تأجيل الانطلاق لأسباب لوجستية تتعلق بانتظار وصول الأسطول الملتحق من تونس إلى المياه الليبية، ويتوقع أن تدخل السفن المياه الإقليمية بعد 3 ساعات من الانطلاق، لتلتحق بسفن أخرى قادمة من موانئ إسبانيا وإيطاليا ومالطا، ضمن أسطول الصمود العالمي.
وبالرغم من أن سفينة عمر المختار ليست تابِعة تنظيميا لأسطول الصمود العالمي، غير أن المنظمين أكدوا أن الهدف المشترك يجمعهم للقاء في المياه الإقليمية والانطلاق معا نحو غزة، لتقديم المساعدات الإنسانية وإيصال رسالة تضامن مع المدنيين المحاصرين.
ويقول المتحدث باسم السفينة، نبيل السوكني للجزيرة نت "الرسالة واضحة وسلمية، هدفنا إنساني بحت، نريد إيصال مواد إغاثية وطبية لأهل غزة، لسنا مقاتلين، وإنما شخصيات عامة تتحمل مسؤولية إنسانية".
وأوضح السوكني أن التنظيم استغرق أكثر من شهر، وشمل جمع التبرعات، وصيانة السفينة، وتجهيزات أمنية ولوجستية، مضيفا "التحرك من طرابلس ليس مجرد رحلة، بل واجب أخلاقي تجاه شعب يتعرض ل إبادة جماعية ، وفق ما نشهده يوميا من صور الأطفال والضحايا في غزة".
أما الصحفي الليبي سعد المغربي، المشارك في الرحلة، فقال "غزة تعني لي كمسلم عربي أنها جزء من بلادي، وأهلها يتكلمون لغتي، والظلم الواقع عليها لا تقبله الإنسانية السوية، وغزة اليوم تُمثِّل الأمل والإباء والصمود والأنفة، و المسجد الأقصى قبلتي الأولى ".
وأضاف المغربي للجزيرة نت "شاركت رفضا للظلم وإغاثة الملهوف وفك الحصار الجائر، وهي أخلاق عربية كان العربي قديما يموت من أجل ضيفه واللاجئ إليه، لم تطاوعني نفسي أن أكون متفرجا على الإجرام دون محاولة تغييره".
وقد تدافع الأهالي لتوديع المشاركين بالورود والدموع، مع تحميل السفينة بالمساعدات والدعاء، حتى أعلن الطاقم أن سعة السفينة ممتلئة، ولا يمكن استقبال سوى المزيد من الأمل ليصل إلى غزة المنكوبة.
وودعت المُسنَّة الليبية نجية، السفينة بأمل كبير، مؤكدة أن مشاركتها جاءت بدافع الفرح والأمل بتأييد أهل غزة، مستذكرة نكبات الماضي وواصفة الحصار الحالي بأنه الأقسى منذ بدء الاحتلال، ومتمنية السلام والنصر للشعب الفلسطيني.
ومن بين المشاركين كانت الناشطة الأسكتلندية مارتينيا (69 عاما) التي قطعت رحلة طويلة من غلاسكو إلى تونس ثم إلى ليبيا للانضمام للسفينة، ووقفت بين المتطوعين مرتدية الكوفية الفلسطينية.
وقالت مارتينيا للجزيرة نت "أنا ناشطة سلمية منذ أكثر من 25 عاما، مُنعت من دخول الضفة الغربية واحتُجزت سابقا، لكني لا أستطيع البقاء متفرجة بينما هناك أناس يتضورون جوعا ويفقدون مأواهم"، وأضافت "تعلمت من الفلسطينيين أن كل باب يُغلق يفتح أبوابا أخرى".
من جهته أكد أحد منظمي الحملة من جمعية "وكالة الجهود التطوعية" في غريان، خالد سالم، للجزيرة نت أن الحماس الشعبي جعل المستحيل ممكنا، وعبَّر عن تضافر جهود الشباب والنساء والأطباء والصحفيين والطباخين لإنجاح المهمة، واصفا الرحلة بأنها تجسيد لإرادة الشعب الليبي.
في حين قالت الناشطة المصرية الكندية رباب مصطفى التي وصلت من تونس إلى طرابلس للانضمام للسفينة، إن انطلاق الأسطول تأخَّر نحو أسبوع بسبب "هجمات استهدفت بعض السفن في تونس وتعقيدات لوجستية".
لكنها شددت على أن القافلة ستلتحم في نقطة تجمع موحدة في عرض البحر، وقالت للجزيرة نت "مشاركتي ليست مجرد قرار شخصي، بل رسالة من النساء حول العالم لأمهات غزة وأطفالها بأننا نشعر بآلامهم".
وانتقدت رباب صمت المجتمع الدولي، معتبرة أن "العالم يشاهد إبادة جماعية تُبث على الهواء مباشرة، حيث يُقتل الأطفال والنساء وتُقصف المستشفيات ويُستخدم التجويع كسلاح، بينما تقف الحكومات متفرجة".
وبالمقابل أشادت بالموقف الرسمي والشعبي في ليبيا، مشيرة إلى أن السلطات أمَّنت تدريبات في السلامة البحرية والإسعافات الأولية عبر هيئة السلامة الوطنية والجمارك والهلال الأحمر الليبي "في مشهد يعكس التزاما مشرفا من ليبيا تجاه القضية الفلسطينية"، تضيف رباب.
سفينة "عمر المختار" الليبية تستعد للإبحار والانضمام إلى أسطول الصمود العالمي لكسر الحصار الإسرائيلي عن قطاع #غزة#حرب_غزة #ألبوم pic.twitter.com/zfqNLUthCO
— قناة الجزيرة (@AJArabic) September 17, 2025
ويأتي التحرك الليبي ضمن إرث طويل من المبادرات الشعبية الدولية لكسر الحصار عن غزة، ففي يونيو/حزيران 2025، انطلقت "قافلة الصمود المغاربية البرية" من تونس، وضمت آلاف المشاركين من تونس وليبيا والجزائر وموريتانيا، لكنها توقفت عند بوابة سرت الليبية.
كما أبحرت سفينة " مادلين " من إيطاليا محملة بالمساعدات الإنسانية في يونيو/حزيران 2025، واعترضتها البحرية الإسرائيلية في المياه الدولية، ما أثار احتجاجات دولية.
وشهدت السنوات الماضية عدة محاولات مشابهة، أبرزها "قافلة الصمود البرية" عام 2009 و" أسطول الحرية " 2010 و2018، التي واجهت كلها اعتراضات قبل الوصول إلى غزة.
تأتي هذه المبادرة في ظل حرب يشهدها قطاع غزة منذ نحو عامين وحصار ممتد منذ 18 عاما لأكثر من 2.2 مليون غزة، بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" و منظمة الصحة العالمية في أغسطس/آب 2025، حيث تجاوزت نسبة الفقر 70%، ويعاني 60% من المستشفيات من نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، وأكثر من 80% من السكان يعتمدون على المساعدات الخارجية، فيما يستمر انقطاع الكهرباء لساعات طويلة يوميا.
وحذَّرت المنظمات الدولية من أن استمرار هذه الأوضاع يمثل "عقابا جماعيا" وانتهاكا صارخا ل لقانون الدولي ، معتبرة غزة "أكبر سجن مفتوح في العالم".
ويعكس التحرك الليبي مع سفينة "عمر المختار" محصلة جهود دولية وإنسانية واسعة، حيث يختلط التضامن الشعبي مع الرمزية الوطنية، ويجمع بين إرث المقاومة الليبية وآمال المدنيين في غزة، في مشهد حي على أرصفة طرابلس، يحاكي البحر فاتحا الطريق للأمل، رغم كل الصعوبات والمخاطر التي تواجه الرحلة.