آخر الأخبار

هل يتصدّع التحالف بين حزب الله وأمل في لبنان؟

شارك
مصدر الصورة

مع إعلان وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل إثر حرب أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بدأ الحديث عن تباين في المواقف ضمن تحالف "الثنائي الشيعي".

تُستخدم عبارة "الثنائي الشيعي" للإشارة إلى "حزب الله" و"حركة أمل"، الممثلين الأبرزين للطائفة الشيعية في لبنان.

شكل التحالف بين الجانبين قوة سياسية رسمت دور الشيعة في النظام السياسي اللبناني القائم على المحاصصة الطائفية.

الحرب الأخيرة، بين حزب الله وإسرائيل، أدت إلى خسائر بشرية ومادية كبيرة في لبنان، كان وقعها الأقسى على مناطق تسكنها غالبية شيعية كالضاحية الجنوبية لبيروت والقرى الحدوية في الجنوب اللبناني.

ومع اغتيال عدد كبير من قيادات "حزب الله" السياسية والعسكرية، وفي مقدمتهم الأمين العام الأسبق حسن نصرالله، تعزز دور زعيم حركة "أمل" ورئيس مجلس النواب نبيه بري، كشخصية محورية في تحديد دور الشيعة في المرحلة السياسية المقبلة في لبنان.

قاد بري المفاوضات لوقف إطلاق النار، ويلتقي مبعوثي الإدارة الأمريكية لبحث إمكانية تطبيق "الورقة الأمريكية" كخارطة طريق لنزع سلاح "حزب الله".

مع التحولات الإقليمية بعد سقوط حكم بشار الأسد في سوريا، والضربات العسكرية الإسرائيلية لإيران، تزايد الحديث عن تباين في الخطاب السياسي وتكتيكات إدارة المرحلة بين الحليفين العتيقين.

تعود العلاقة بين الطرفين إلى الثمانينيات، إذ نشأ "حزب الله" من رحم "حركة المحرومين - أمل" التي أسسها الإمام موسى الصدر عام 1974. ومرت العلاقة بفترات تقارب وتنافر، لتأخذ شكلها الأمتن بعد نهاية الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) ضمن التكامل في الأدوار السياسية والتوافق على قضية "السلاح والمقاومة".

فما الذي اختلف الآن؟ وكيف يرى جمهور الطرفين علاقتها حالياً؟

قبل الغوص للإجابة عن هذا السؤال، لنعد إلى جذور العلاقة.

جذور العلاقة

مصدر الصورة

منذ نشأتهما مرت العلاقة بتباينات وتحالفات ووصلت أحياناً إلى حد الاشتباك المسلح، وفي أحيان أخرى تحولت إلى حلف قوي وفعال.

1. السبعينيات: بدايات حركة أمل

في سبعينيات القرن الماضي برز الإمام موسى الصدر كزعيم للطائفة الشيعية في لبنان، في وقت كانت يشعر فيه أبناء الطائفة بالتهميش من الدولة ومؤسساتها. أسس الصدر عام 1974 "حركة المحرومين" لتعبر عن المحرومين من مختلف الطوائف، وإن كان جمهورها الأساسي شيعياً. وفي عام 1975 أنشأ جناحها العسكري تحت اسم "أفواج المقاومة اللبنانية – أمل" لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الجنوب اللبناني.

الصحافي اللبناني إبراهيم بيرم، وهو متابع لتاريخ الحزب والحركة منذ سنوات، يوضح أن الإمام الصدر كان "يسعى إلى إدخال الشيعة في الدولة وألا يبقوا خارجها، لذلك ركز على المطالبة بدور لهم داخل المؤسسات الرسمية". لكن رحلة الصدر توقفت بشكل مفاجئ عام 1978، حين اختفى في ليبيا خلال زيارة رسمية، تاركاً فراغاً كبيراً في الساحة الشيعية.

2. الثمانينيات: ولادة حزب الله واندلاع المواجهات

أدى الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 إلى تحولات جذرية في الساحة الشيعية، فبينما تمسكت حركة أمل بخط موسى الصدر القائم على الانخراط في الدولة والتنسيق مع سوريا، انشق عدد من كوادرها، متأثرين بالثورة الإسلامية في إيران، وأسسوا نواة "حزب الله" بدعم مباشر من طهران.

يقول بيرم إن "حزب الله خرج من رحم حركة أمل بعدما وجد بعض كوادرها أن مشروعها السياسي لا يكفي لمواجهة الاحتلال، فانخرطوا في تجربة جديدة تحمل طابعاً عقائدياً إسلامياً".

لكن سرعان ما برزت خلافات عميقة، خصوصاً حول العلاقة مع الفصائل الفلسطينية. فحركة أمل خاضت بين 1985 و1988 ما عُرف بـ "حرب المخيمات" ضد قوات ياسر عرفات، معتبرة أنها تهدد الساحة اللبنانية من الداخل، فيما رفض حزب الله تلك المواجهة ووقف إلى جانب الفلسطينيين.

كما أدى توقيع الرئيس اللبناني أمين الجميّل اتفاقاً في 17 أيار/مايو 1983 مع إسرائيل برعاية أمريكية، إلى توسيع الشرخ، إذ اعتبرته قوى لبنانية عديدة محاولة لفرض التطبيع، قبل أن يسقط لاحقاً تحت الضغط السوري.

التباينات تحولت إلى مواجهات مسلحة مباشرة بين أمل وحزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت وجنوب لبنان، عُرفت بـ"حرب الإقليم" (1987–1988) وسقط خلالها عشرات القتلى.

ورغم الدماء، ظل العامل المشترك، متمثلاً في العداء لإسرائيل، يحول دون انهيار العلاقة كلياً. وكما يقول بيرم: "الخطر الإسرائيلي كان دائماً القاسم المشترك الذي يعيد لُحمة الطرفين رغم صراعاتهما الداخلية".

3. التسعينيات: مصالحة برعاية سورية - إيرانية

مع نهاية الحرب الأهلية (1975 - 1990) وتوقيع وثيقة الوفاق الوطني في مدينة الطائف السعودية، جرت مصالحة بين الطرفين برعاية سورية وإيرانية. لكن العلاقة بقيت باردة أحياناً، وظهرت منافسات انتخابية نيابية وبلدية. بيرم يوضح أنه "جرى تقاسم النفوذ: الجنوب بقي في يد حزب الله كجبهة مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، فيما احتفظت حركة أمل بحضور وازن في البرلمان والمؤسسات الرسمية".

4. الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان وحرب 2006 وما بعدها

أدي الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في عام 2000 إلى منح حزب الله زخماً شعبياً واسعاً، لكنه لم يُلغِ حاجته للثنائية الشيعية في المشهد السياسي.

أما حرب 2006 بين حزب الله وإسرائيل، فقد شكلت نقطة تحول في علاقة الحزب بحركة أمل. فرغم خروج حزب الله من الحرب ببيان "المقاوم المنتصر" عسكرياً، كان التوجه نحو جبهة شيعية موحدة أكثر من أي وقت مضى. منذ ذلك الحين، برز ما يُعرف في لبنان بـ"الثنائي الشيعي"، أي الشراكة السياسية الوطيدة بين أمل وحزب الله.

تقول الرواية الشائعة، والتي يؤكدها الصحافي إبراهيم بيرم، إن الصيغة باتت شبه ثابتة: أمل تتولى إدارة العلاقة مع الدولة ومؤسساتها الرسمية، فيما يحتفظ حزب الله بالدور الدفاعي والعسكري والإقليمي.

ومع ذلك، لم يخلُ المسار من تباينات داخلية. فقد دفع حزب الله حليفه المسيحي، المتمثل في التيار الوطني الحر، بقيادة ميشال عون إلى السلطة وصولاً إلى رئاسة الجمهورية عام 2016، في وقت كان نبيه بري على خصومة طويلة مع التيار. كما برزت اختلافات في تشكيل الحكومات والانتخابات البلدية. غير أن هذه التباينات بقيت، بحسب بيرم، "خلافات تكتيكية لا تمس جوهر المعادلة الدفاعية، التي ظل الطرفان متمسكين بها حتى اليوم".

هل نحن أمام خلاف؟

مصدر الصورة

سؤالٌ يتردد في العلن: هل ما زال حزب الله وحركة أمل على موقف واحد أم بدأت الخلافات تتسع؟ في الجوهر، لا يبدو هناك خلاف على حصرية تمثيل الطائفة الشيعية في البرلمان ضمن إطار "الثنائي"، ولا على مبدأ "المقاومة".

لكن التمايز يظهر اليوم في كيفية التعامل مع اتفاق وقف إطلاق النار الأخير مع إسرائيل، الذي دخل حيز التنفيذ في نوفمبر/تشرين الثاني 2024. الاتفاق نص على وقف كامل للأعمال العدائية، وامتناع إسرائيل عن أي هجمات برية أو بحرية أو جوية على الأراضي اللبنانية، وانسحابها التدريجي إلى جنوب "الخط الأزرق" خلال ستين يوماً.

وبالتوازي نص الاتفاق على نشر عشرة آلاف جندي من الجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني بدعم من قوات "اليونيفيل"، إضافة إلى معالجة ملف الأسرى والمفقودين وضبط المعابر الحدودية. لكن رغم هذه البنود، واصلت إسرائيل خرق الاتفاق بشكل شبه يومي عبر قصف بلدات الجنوب، واستهدفت أكثر من مرة الضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع، ما جعل الحزب يعتبر أن "النص بلا قيمة إذا كان التنفيذ غائباً".

فكيف ينظر جمهور "حزب الله" و"حركة أمل" لهذا المواقع المستجد؟

الصحافية سحر غدار، من الناشطين المؤثرين على منصة "إكس" في لبنان، وهي مقربة من "حزب الله" تقول في حديث مع بي بي سي "إن أي نقاش داخلي حول السلاح مؤجل ما دامت إسرائيل تواصل هذه الخروقات".

ويقول الصحافي إبراهيم بيرم إن بري "لن يقبل بأي صيغة لنزع السلاح تُشعر جمهوره بالإذلال، بل فقط بتسوية تحفظ الكرامة والتاريخ".

لكن تبرز هنا نقطة خلاف أساسية حول الورقة الأمريكية التي طُرحت لتسليم سلاح حزب الله تدريجياً للجيش اللبناني، فالحزب يرفض إدراجها في المرحلة الراهنة ويرى أنها استجابة للضغط الإسرائيلي، فيما يتعامل بري معها كوثيقة لا يمكن تبنيها الآن لكنها قد تتحول إلى قاعدة نقاش في المستقبل، شرط أن تراعي "كرامة المقاومة" وتُدرج ضمن تسوية شاملة، بحسب أوساطه.

الباحث فؤاد خريس هو أيضاً من بين المؤثرين على منصة "إكس" في لبنان عبر حسابه المعروف باسم "مصدر مسؤول"، وهو مقرب من حركة أمل. يقول لبي بي سي إن "العداء المشترك (لإسرائيل) هو الثابت الأول الناظم للعلاقة"، مشيراً إلى أن خطاب بري في 31 آب/أغسطس كان من "الأكثر تشدداً"، حيث حدد خطوط التفاوض بوضوح: "لا تنازل تحت النار، انسحاب من الأراضي المحتلة، وحل قضية الأسرى قبل أي نقاش داخلي".

ويقول بيرم بأن الحزب نفسه "فوض بري علناً بإدارة التفاوض السياسي"، ما يعني أن الإستراتيجية الكبرى ما زالت واحدة: حماية خط الدفاع جنوباً، وتفادي انقسام عمودي داخل الطائفة الشيعية.

ماذا عن "الشارع الشيعي"؟

مصدر الصورة

يستعدّ "الثنائي الشيعي" كما باقي الأحزاب اللبنانية، إلى خوض الانتخابات النيابية العام المقبل، فكيف سيكون شكل التحالف بين الطرفين؟ هناك ملفات كثيرة يمكن أن تطرح على طاولة البرامج الانتخابية، ومن أبرزها السلاح و"تثبيت الولاء لخيار المقاومة"، بحسب تعبير عدد من المتابعين.

ترى غدار أن اغتيال الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصر الله "جرحٌ وجدانيٌّ لن يلتئم سريعاً"، لكنه "جزءٌ من مسيرةٍ طويلة بدأت قبل السيد [حسن] وستستمر بعده"، وتلمس استعداداً شعبياً لـ"التصويت في انتخابات البرلمان العام المقبل كنوعٍ من الثأر الرمزي لدمٍ مستباح".

من جهته، يرى خريس أن العامين الماضيين "ثبّتا خيار المقاومة أكثر، ومن كان متردداً صار أكثر حسماً".

وتشير الصحافية سحر غدار إلى أن القاعدة الشعبية لحركة أمل وحزب الله متداخلة بشكل كبير: "ففي البيت الواحد قد تجد أخاً من أمل وأخاً آخر من حزب الله، أو عائلة قدمت شهداء للحزبين معاً. هذا التشابك الاجتماعي يجعل الفصل بين الجمهورين شبه مستحيل".

وتضيف غدار أنه "في موضوع السلاح، كثير من مناصري أمل يعتبرون أنفسهم أشد شراسة من الحزب في الدفاع عنه؛ فابن الجنوب يرى أن حماية الأرض تأتي أولاً قبل أي اعتبار حزبي أو سياسي". تتابع: "هذا ما يفسر أن النقاش حول السلاح ليس نقاشاً حزبياً فقط، بل مسألة وجدانية مرتبطة بالهوية والذاكرة الجماعية في جنوب لبنان".

لكنها تُقر أيضاً بوجود ما تسميه "الطبقة الناقدة"، وهم شرائح شيعية لا تعلن العداء ضد الحزبين، لكنها تنتقد أداءهما في القضايا الداخلية.

برزت هذه الشريحة بعد الأزمة المالية اللبنانية عام 2019، حين انهارت الليرة اللبنانية، وتبخرت قيمة رواتب الموظفين، ولم يعد المواطنون قادرين على سحب ودائعهم من المصارف. أضيف إلى ذلك الانقطاع شبه الدائم للكهرباء، تراجع الخدمات الصحية والتعليمية، وارتفاع أسعار السلع الأساسية بشكل صاروخي.

في هذا السياق، وُجهت اتهامات مباشرة لحزب الله وحركة أمل بأنهما جزء من الطبقة السياسية التي حكمت لبنان لعقود وتورطت في الفساد والمحاصصة. ورغم ذلك، لم تتحول هذه الطبقة الناقدة إلى معارضة سياسية منظمة، بل ما زالت ترى في الثنائي ضمانة لحماية الحدود من إسرائيل، لكنها بالمقابل تطالب برؤية اقتصادية واجتماعية أكثر جدية تعالج حياتهم اليومية المنهكة.

فؤاد خريس، الذي يتابع مزاج الجمهور عبر "إكس"، يقول إن معظم المتابعين ـ خاصة من المغتربين ـ "يميلون إلى الأخبار الدقيقة غير المؤدلجة"، في إشارة إلى فقدان الثقة بالخطابات الحزبية الصلبة.

وهو يلاحظ أنه في لحظات الأزمات الكبرى يتكاتف اللبنانيون، وتتراجع اللغة الطائفية لمصلحة شعور عام بالتضامن، حتى لو استمرت بعض المنابر السياسية والإعلامية في "تأجيج الانقسام". بالنسبة له، هذا يعكس حقيقة أن الشارع ليس كتلة واحدة، بل مزيج بين تشدد وجداني حول السلاح، وقلق متزايد حول الفساد والاقتصاد ومستقبل الدولة.

اختلاف لا خلاف

مصدر الصورة

من البديهي القول إن تحالف حزب الله وحركة أمل ليس تحالفاً انتخابياً، بل توازن مصالح وهويات وتكاتف أمني تراكم على مدى أربعة عقود.

في الظاهر، تخرج تناقضاتٌ خطابية إلى العلن، لكنها ـ وفق روايات ضيوفنا ـ لا تصنع "انقساماً عمودياً"؛ فالإستراتيجية واحدة: حماية السلاح ضمن سردية "الدفاع الوطني"، وتفادي تفكك الدولة، والسير في تفاوضٍ يُدار من عين التينة وتحدد مخرجاته على الوقائع السياسية.

يبقى أن الشرط الاجتماعي ـ الاقتصادي الداخلي وإجابات الثنائي على أسئلة الحكم والخدمات والاقتصاد ستكون الامتحان الأصعب أمام جمهورٍ أنهكته الحرب، ويريد، إلى جانب حماية الحدود، حماية لليوميات والكرامة المعيشية.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا