في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في وقت تحذر فيه الأمم المتحدة من تفشي المجاعة ومستويات غير مسبوقة لانعدام الأمن الغذائي في قطاع غزة ، ومع تدمير قوات الاحتلال الإسرائيلي لمساحات واسعة من الأراضي الزراعية، اختارت مجموعة من الأكاديميين والناشطين خوض "مقاومة صامتة" من داخل البيوت، عبر مبادرة "غذاؤنا من أيدينا"، التي تسعى لتحويل الأسطح والحدائق الصغيرة وحتى علب الطلاء الفارغة إلى مصدر غذاء يواجه المجاعة ويزرع الأمل.
تؤكد بيانات برنامج الأغذية العالمي أن نحو 2.2 مليون شخص في غزة -أي ما يعادل 100% من السكان- يواجهون مستويات حرجة من انعدام الأمن الغذائي، بينما صنّفت شبكة التصنيف المرحلي المتكامل ل لأمن الغذائي الوضع في قطاع غزة بأنه "مجاعة فعلية، وذلك بعد إغلاق الاحتلال لمعابر القطاع وفرض قيود مشددة على دخول المساعدات الإنسانية.
من هذا الواقع، وُلدت المبادرة، التي وصفها مؤسسها ومنسقها العام، الدكتور عبد الرؤوف المناعمة، بأنها "حل محلي بسيط لكنه فعّال، يعيد للأسر قدرتها في الاعتماد على نفسها بدل انتظار المساعدات التي لا تكفي".
يقول المناعمة للجزيرة نت "من الضروري أن نزرع في بيوتنا، على الأسطح وفي الحدائق الصغيرة، وأن نحوّل كل مساحة متاحة إلى مصدر غذاء، لذلك أردنا أن تكون المبادرة زراعة أمل قبل أن تكون زراعة طعام.
ويشير المناعمة الذي يعمل أيضًا أستاذا في علم الأحياء الدقيقة إلى أن نقص الغذاء يفاقم من انتشار الأمراض المعدية بسبب ضعف المناعة وتلوث المياه وتراكم النفايات.
ويضيف "الزراعة المنزلية هنا ليست ترفًا، بل وسيلة بقاء وصمود"، معتبرا المبادرة شكلا أصيلا من المقاومة المدنية، "فنحن نرفض أن نُهزم بالجوع".
وخلال الأشهر الأولى للمبادرة، بدأت عشرات الأسر في زراعة الخضراوات وتربية الدجاج داخل بيوتهم وخيامهم، لتأمين جزء أساسي من غذائهم اليومي، ورغم أن الأثر الكمي للمبادرة ما زال في بداياته، فإن الفريق يرى أن التحول الثقافي هو الإنجاز الأبرز "خاصة وأن الأسر لم تعد مجرد متلقٍ للمساعدات، بل شريكة في إنتاج غذائها"، كما يقول المناعمة.
التحديات لا تقل قسوة عن الهدف حيث نقص البذور والتربة والأسمدة، وتقلب الوضع الأمني بسبب التوغلات الإسرائيلية المتكررة داخل الأحياء السكنية، بالإضافة إلى صعوبة متابعة القائمين على المبادرة الميدانية للأسر المشاركة بسبب القصف العنيف، إلى جانب النزوح المتكرر وفقدان كثير من العائلات لمساحات مناسبة للزراعة.
لكن -كما يوضح المناعمة- أظهر الناس "مرونة مذهلة"، إذ حوّلوا حتى علب الطلاء والصناديق الخشبية إلى أوعية زراعية صغيرة.
ويعمل الفريق على إعداد دليل رقمي عملي لتعميم الفكرة وتسهيل وصولها إلى آلاف الأسر، بما يحوّلها من "حل طارئ إلى ثقافة مجتمعية مستدامة".
من جانبه، يقول عضو اللجنة الاستشارية للمبادرة الدكتور سعود الشوا إن "الفريق اعتمد مبادئ الزراعة الحضرية، وأعد نشرات ومحاضرات توعوية عن المحاصيل سريعة النمو وتربية الدجاج البلدي البيّاض".
ويضيف للجزيرة نت "هدفنا أن تكون كل أسرة قادرة على إنتاج سلة غذائية أساسية، بل وتحويل الفائض إلى مصدر دخل صغير".
كما أعد الفريق دليلا زراعيًا يستند إلى خبرات محلية، معتبرًا ذلك مساهمة في بناء "جيل مقاوم بالصمود الاقتصادي والتكافل الاجتماعي".
رشا طافش، إحدى المشاركات، تصف تجربتها قائلة "نظمنا مسابقة شارك فيها العشرات من الشباب والفتيات، والنتائج كانت مدهشة، فبعض المشاريع الصغيرة تحولت لاحقًا إلى مصدر دخل حقيقي للأسر".
وتضيف "اليوم أصبحت الزراعة المنزلية وسيلة لمواجهة المجاعة والحفاظ على علاقتنا بالأرض كجزء من هويتنا الفلسطينية"، مشيرة إلى أن الأطفال أنفسهم باتوا يصرون على المشاركة كهواية وواجب في آن واحد.
أما ريناد أبو دان، وهي متطوعة في المبادرة، فتقول "اضطررنا لاستخدام وسائل إبداعية لإقناع الناس، مثل مسابقات نوعية ومشاريع مبتكرة، منها حديقة الأمل داخل المخيم، ومزرعة الأكوابونيك الذكية، ووحدة الزراعة المائية الذكية".
وتختم "المبادرة لم تعد مجرد مشروع زراعي، بل مساحة مجتمعية للتعاون وتبادل الخبرات، ورمزًا للصمود"، على حد تعبيرها.
ويقول ممثل برنامج الأغذية العالمي في فلسطين أنطوان رينارد "لا يمكن لأي مساعدات خارجية أن تكفي وحدها، فهناك حاجة إلى حلول محلية مبتكرة، والمبادرات المجتمعية مثل الزراعة المنزلية تشكّل بارقة أمل".
وبينما يواصل العدوان الإسرائيلي فرض حصاره على كل منافذ الحياة، تظل مبادرات كهذه بمثابة شهادة حياة، ورسالة أن الفلسطينيين قادرون على ابتكار الحلول حتى من بين الركام، وأن الخبز والخضرة يمكن أن يولدا من أصيص صغير فوق سطح بيت مهدّم.
وبدعم أميركي، ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة، خلّفت 62 ألفا و744 شهيدا، و158 ألفا و259 جريحا من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، ومئات آلاف النازحين، ومجاعة قتلت 300 فلسطيني، بينهم 117 طفلا.