الخليل- منذ أسبوع، يستمع مصطفى ملحم للأذان من بيته من دون أن يتمكن من الذهاب إلى المسجد للصلاة كما جرت العادة، إذ لا يزال يعاني من آلام وكدمات شديدة في جسده على إثر اعتداء مجموعة من المستوطنين عليه وعلى ابن شقيقه، أثناء قطفهما لثمار العنب في أرض العائلة في حلحول شمال الخليل .
ففي فجر 24 أغسطس/آب 2025، باغتهما المستوطنون بالهجوم بالهراوات ما أدى إلى إصابة ملحم بشكل مباشر في رأسه، ويقول للجزيرة نت إن المستوطنين كانوا يضربونه بقصد القتل، وإنهم لم يتوقفوا عن الضرب إلا بعدما رأوا كمية الدماء التي نزفت من رأسه.
تقع أرض ملحم بين بلدتي حلحول وبيت أمر، اللتين تحاذيهما مستوطنة "كيرمي تسور"، المقامة على أراض مصادرة من البلدتين منذ عام 1984، ويبلغ تعداد المستوطنين فيها قرابة ألف مستوطن.
تتوارث العائلة منذ 3 أجيال زراعة العنب وتصنيعه، إذ تعرف محافظة الخليل بإنتاجها ذي الجودة العالية لمحصول العنب، والمنتجات التي يتم تصنيعها منه كجزء من التراث الفلسطيني في الطعام، كالدبس والمَلْبَن والمربى والزبيب وغيرها، والتي تشكل مصدرا للدخل وللأمن الغذائي للعائلات الفلسطينية، إذ يتم تسويق هذه المنتجات في أسواق الضفة الغربية وتصديرها للخارج.
وقبل التضييقات التي فرضها الاحتلال منذ بداية حرب الإبادة، كان ملحم يصل إلى أرضه خلال 10 دقائق، أما الآن فهو مضطر للعبور من طرق ملتفة ليصل خلال ساعة إلى أرضه.
يقول ملحم "أنا أذهب إلى هناك لأثبت لهذا المستوطن أن لهذه الأرض أصحابا، ولكن المشكلة أنه لا يوجد ظهر يحمينا ويحمي المزارعين، لا يوجد حلول"، ويستدرك بالقول "لا يوجد مع الأسف تعاون حقيقي يمكنني كمزارع من مقاومة هذا المستوطن".
ويعود ملحم في ذاكرته إلى أكثر من 30 عاما إلى الوراء، حين قام مجموعة من المستوطنين بالهجوم على الأرض ذاتها، فقابلهم سكان البلدة بالتجمع فيها بالمئات ما دفع المستوطنين للتراجع على إثر الرهبة التي خلقها تجمع الفلسطينيين في الأرض، وهو ما يصفه ملحم بقهرٍ وحزن أنه "تلاشى في هذه الفترة، رغم أننا في زمن مواقع التواصل الاجتماعي".
ويضيف معلقا في حديثه للجزيرة نت "الواقع اليوم محبط، يخاف الناس من النزول إلى الأرض، ولا شيء يمكننا من مواجهتهم إلا الإيمان بالله".
ويطالب المزارع المؤسسات الإنسانية التي توثق هذه الاعتداءات "أن تتحرك باتجاه جمع الناس، ليذهبوا بشكل جماعي لقطف المحصول، حتى لا يستفرد المستوطنون بالمزارعين، خصوصا الذين يعتمدون بشكل أساسي على محصول العنب كمصدر للدخل".
مشيرا إلى أنه لا حماية للمزارع من الجهات الرسمية أو الأهلية بحيث يتمكن المزارعون من الوصول بأمان إلى أراضيهم، إضافة إلى عدم وجود حماية للسوق من دخول محصول العنب الإسرائيلي إلى الأسواق الفلسطينية.
في سوق الخضار المعروف بـ"الحسبة" في حلحول، التقت الجزيرة نت المزارعَ محمد أبو ريان، والذي ورث عن عائلته العمل في زراعة العنب، إذ يمتلك وأبناء عمومته قرابة 35 دونما، بمعدل إنتاج طن ونصف لكل دونم.
وأكد أبو ريان أن الاعتداءات لم تعد مقتصرةً على الأراضي الملاصقة للمستوطنات، بل أصبحت تمتد إلى الأراضي المحيطة بالتجمعات السكنية الفلسطينية.
ويقول أحد أبناء عمومته، الذي يعمل في سوق الخضار منذ 8 سنوات: "هناك أكثر من مزارع ناموا في المستشفيات بسبب تعرضهم لضرب مبرح من قبل المستوطنين بقصد القتل، وهذا كله يتم بغطاء من الوزير بن غفير".
"بالمقابل السلطة الفلسطينية لا تفعل شيئا، المزارع لا يوجد له ظهر يحميه، لا أحد يهتم بدعم صمود المزارع أو تقديم تسويق مُجدٍ له، سواء من خلال المصانع أو التصدير إلى الخارج" حسب قوله.
يذهب أبو ريان وأبناء عمومته إلى أرضهم على شكل جماعات لقطف محصول العنب، ويقارب عدد الأشخاص فيها 20 شخصا وهي الطريقة الوحيدة التي يملكونها لحماية أنفسهم من هجمات المستوطنين، إذ يقول أبو ريان "لما يلاقوا في قوة قبالهم يبتعدوا، أما لما يكون العدد 2، 3، 4 بيهجموا، ما بدهم أي حدا يقرب على الأرض، بس احنا بنوقفلهم وبننزل وما بنرد على حدا".
ويُجْمِع المزارعون على أن الجيش الإسرائيلي لا يتدخل إلا لحماية المستوطنين، أو بتدخل شكلي، ثم لا يلبث أن ينسحب، ليعود المستوطنون للهجوم مرة أخرى على المزارعين.
وإلى جانب هذه التحديات، أكد أبو ريان أن هناك مشكلة إضافية تواجه مزارعي العنب على إثر قيام التجار بتسويق العنب القادم من المزارع الإسرائيلية، ما يؤثر على تسويق العنب الفلسطيني، خصوصا أن إعاقة الاحتلال لوصول المزارعين إلى أراضيهم أثر على جودة المحصول مقارنة بالسنوات السابقة.
كما يفيد المزارعون بأن المستوطنين يقومون ببيع العنب على الطريق الالتفافي بمبالغ زهيدة، إذ يبلغ سعر صندوق العنب الذي يزن قرابة 10 كيلوغرامات أقل من دولارين.
وكان مستوطنو "كرمي تسور" قد قطعوا طرق المزارعين من خلال وضع كرفانات في الطرق الواصلة بين بلدة حلحول ومزارع العنب، ويطلقون عشرات الأغنام لترعى في هذه المزارع، ما يؤدي إلى تدمير أشجار العنب، علاوةً على أن المستوطنين يقومون بقطف أجود ما في المحصول ويقدمونه طعاما للأغنام.