آخر الأخبار

جميعهم مجوعون.. قصص مؤلمة ترويها طبيبة أطفال متطوعة

شارك

غزة- "إنها حرب تجويع وموت بالبطيء"، تقول الدكتورة لبنى العزايزة، وهي تتحدث بمرارة عن حالات يومية لنساء حوامل ومرضعات ومواليد ورضع، يعانون من التجويع وسوء التغذية الحاد، وتقف عاجزة بسبب انعدام الخيارات أمام أوجاعهم وعدم إمكانية تقديم المساعدة لهم.

الدكتورة لبنى، وهي أم لـ3 أبناء أكبرهم 18 عاما وأصغرهم 11 عاما، تقيم معهم في منزلها المدمر جزئيا نتيجة غارة جوية إسرائيلية، تسببت أيضا في تدمير عيادتها الطبية الخاصة في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة ، في الشهر الأول من الحرب الإسرائيلية المستعرة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

كانت العزايزة تعمل ضمن كادر "مستشفى كمال عدوان" في شمال القطاع، طبية أطفال ورضاعة طبيعية واختصاصية تغذية علاجية، وحالت تداعيات الحرب وتقطع أوصال القطاع دون وصولها إلى عملها، وتقول للجزيرة نت "بقيت هنا في دير البلح، ودمر الاحتلال بيتي وعيادتي، وخضت مع أبنائي تجربة النزوح المريرة".

وتعتبر هذه الطبيبة أن الفترة الحالية منذ تشديد الاحتلال للحصار وإغلاق المعابر منذ الثاني من مارس/آذار الماضي ومنع إدخال الإمدادات الإنسانية من غذاء ودواء، هي "الأكثر قسوة"، حيث أضاف الاحتلال للقتل بالصواريخ والقنابل وسيلة أخرى مستخدما "سلاح التجويع ونشر الأمراض".

مصدر الصورة الطبيبة لبنى العزايزة وفريقها المتطوع يعاينون يوميا عشرات حالات سوء التغذية (الجزيرة)

حرب تجويع

"ونحن أيضا كأطباء نعاني من الاستنزاف والتجويع الشديدين"، تشير الطبيبة العزايزة التي قابلتها الجزيرة نت بعد نهاية يوم عمل حافل امتد حتى بعد الساعة 8 مساء في "الخيمة الطبية المجانية" التي تديرها على مساحة من أنقاض منزلها المدمر.

وبدت العزايزة في حالة من الإعياء الشديد، وتعاني من آلام بالصدر تشخصها بأنها ناجمة عن سوء التغذية، وتبذل جهدا مضاعفا من أجل الحديث، وقد قضت يومها الطويل والشاق على وجبة طعام واحدة لا تحتوي على الخبز، حيث لا يتوفر لديها الطحين (دقيق القمح) منذ بضعة أيام.

إعلان

وازدادت الحالات اليومية التي تتردد على خيمة الطبية للعزايزة، نتيجة تفشي التجويع على نحو خطير، يمس بحياة زهاء مليونين و300 ألف نسمة في القطاع الساحلي الصغير، ويتأثر به بشكل خاص الفئات الهشة من النساء الحوامل والمرضعات والمواليد.

مصدر الصورة الأطفال والحوامل والمرضعات الفئات الأشد تأثرا بحرب التجويع (الجزيرة)

"نعاين هذه الحالات ونحن أيضا مجوعون ونشكو من سوء التغذية"، تقول الطبيبة العزايزة، التي بكت في هذا اليوم كما لم تبك من قبل، على أم قصدت العيادة برضيعها الذي أنجبته قبل شهر واحد فقط، وقد جف الحليب في صدرها جراء معاناتها من سوء التغذية ولا تستطيع إرضاعه طبيعيا، ولا تمتلك المال لشراء الحليب الصناعي الشحيح في الأسواق وأسعاره مضاعفة بشكل جنوني.

وهذه الحالة واحدة من حالات كثيرة مشابهة تشعر معها الطبيبة العزايزة بالعجز عن مساعدتها، وتتحدث بمرارة عن لجوء أمهات إلى وضع الماء أو تذويب العدس في "الرضعة الصناعية" من أجل إسكات أطفالهن، الذين يصابون جراء ذلك بمضاعفات صحية تستدعي دخولهم المستشفيات المكتظة عن آخرها بحالات سوء التغذية.

خيمة طبية مجانية

تستقبل الطبيبة العزايزة في خيمتها الطبية المجانية التي أطلقت عليها اسم "صديق الطفل والأم"، عشرات الحالات يوميا، من بينها زهاء 30 حالة تشكو من تداعيات الجوع وسوء التغذية بدرجة متوسطة أو حادة.

وكان للتجويع أثره الخطير على النساء الحوامل، ونتيجة له أشارت العزايزة إلى ارتفاع معدلات حالات الولادات المبكرة، وعمليات الإجهاض، وإنجاب مواليد بأوزان ضعيفة للغاية، حيث إن معاناة المرأة الحامل من سوء التغذية تنعكس على نحو كبير ومباشر على صحة الجنين داخل الرحم.

وما لم تتحسن التغذية للرضيع بعد ولادته، فإنه يعاني من نزلات معوية وقيء وإسهال وجفاف، وجراء ذلك "يبدأ المولود في أكل نفسه ويتغذى على الكتلة العضلية والدهون والبروتين داخل جسمه"، بحسب وصف الطبيبة العزايزة، ويؤدي ذلك إلى انخفاض كبير في الوزن حتى الوفاة، لعدم قدرة جسم الصغير على التحمل كجسم الإنسان البالغ.

وتتساءل بألم وحسرة "كيف يمكن لصحة الرضيع أن تتحسن وأمه لا تجد ما تقتات عليه من أجل إرضاعه طبيعيا، ولا يتوفر الحليب الصناعي في الأسواق، وفي حالة توفره فإن أسعاره خيالية ولا تقوى أغلبية الأمهات على شرائه".

وتذكر الطبيبة العزايزة حالة امرأة حامل عاينتها في الخيمة، ووصفت لها علاجا تتناوله قبل الأكل أو بعده، وإذا بهذه المرأة تبكي بحرارة، وتقول "ليس لدينا شيء حتى الخبز لإطعام أطفالي، فمن أين أحصل عليه من أجل تناول الدواء؟".

وبتأثر شديد تقول العزايزة "بكيت لبكائها، فأنا أم وشعرت بها وبألم العجز وقلة الحيلة"، وترى أن الحصار وما تسبب به من مجاعة حادة وموت بطيء هو أشد وطأة من القتل السريع والمباشر بالصواريخ والقنابل.

مصدر الصورة المجاعة تصيب المواليد والمرضعات والحوامل بمضاعفات خطيرة (الجزيرة)

واقع مأساوي

تقود الطبيبة العزايزة فريقا من المتطوعين، بينهم أطباء وممرضون ومختصون بالدعم النفسي والتغذية العلاجية، وتصف الخيمة الطبية بأنها "مستشفى مصغر"، بدأت بخدمات تخصصية للمواليد والمرضعات والحوامل، وتقدم اليوم خدمات طبية وتمريضية متنوعة لكل الفئات، ساهمت في تخفيف الضغط الهائل عن المستشفيات.

إعلان

وتقدر وزارة الصحة في غزة أن نسبة الإشغال في أغلبية المستشفيات الحكومية المتبقية والتي لا تزال تعمل بإمكانيات متواضعة تناهز 250%، نتيجة الاكتظاظ الشديد من جرحى الحرب وحالات المجاعة وسوء التغذية.

وتقول العزايزة إن "الواقع في المستشفيات مأساوي للغاية، والأطباء يعملون في ظروف معقدة، ويتنقلون بين الحالات والأقسام بأمعاء خاوية، ومنهم من سقط مغشيا عليه في غرف العمليات من شدة التعب والجوع".

ومثل هذه المبادرات الطبية المجانية تساهم في تخفيف الضغط عن كاهل هؤلاء الأطباء، وتترك لهم مساحة للعمل مع الحالات الأشد خطورة التي تستدعي دخولها للمستشفى، تضيف العزايزة.

ولم تكتف هذه الطبيبة وفريقها المتطوع بالعمل في نطاق الخيمة فقط، وتخصص أياما لتنظيم زيارات ميدانية على خيام النازحين، لمعاينة الحالات التي يتعذر وصولها للمستشفيات والمراكز الصحية، غير أن هذه الزيارات مجمدة حاليا، جراء الضغط الهائل على الخيمة الطبية من حالات ناجمة عن المجاعة وسوء التغذية.

مصدر الصورة سوء التغذية لدى الحوامل يتسلل للأجنة ويولدون بأوزان منخفضة (الجزيرة)

وعلى نحو متواصل يوميا تعمل العزايزة من الساعة التاسعة صباحا وحتى السابعة مساء، ورغم ما تواجهه من إرهاق وتعب شديدين فإنها تشعر بالرضا عن هذه المهمة الخيرية الإنسانية التي اختارت أن تحملها، وتقول "إنها مسؤولية مهنية وأخلاقية ووطنية".

ويعمل في المحافظة الوسطى من القطاع -حيث الخيمة الطبية للعزايزة- مستشفى حكومي وحيد وصغير هو "شهداء الأقصى" بمدينة دير البلح، والذي يواجه كغيره من المستشفيات خطر الانهيار في أي لحظة، نتيجة أزمة الوقود، وضعف الإمكانيات والأدوية.

ونتيجة الاستهداف المباشر بالقصف والنسف والتجريف، أو لتعذر الوصول إليها لوقوعها في نطاق عمليات عسكرية لجيش الاحتلال، خرج 22 مستشفى من أصل 38 عن الخدمة، علاوة على خروج عشرات مراكز الرعاية الصحية الأولية، منذ اندلاع الحرب.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة


الأكثر تداولا اسرائيل نتنياهو حرب غزة

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا