آخر الأخبار

لبنان بين السلاح والسيادة.. أزمة تتكشف بزيارة أميركية

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

المبعوث الأميركي يختتم زيارته إلى لبنان

في لحظة سياسية دقيقة يمر بها لبنان، جاءت زيارة المبعوث الأميركي توم باراك لتعيد إلى الواجهة واحدة من أعقد القضايا اللبنانية وأكثرها حساسية وهي سلاح حزب الله.

الزيارة، التي جاءت في خضم تصعيد إقليمي واحتقان داخلي، كانت بمثابة اختبار جديد لوحدة القرار اللبناني وقدرته على مخاطبة الخارج من موقع الدولة لا المكونات.

وبينما حمل باراك ردًا أميركيًا على الورقة اللبنانية بشأن آلية وقف الأعمال العدائية، جاءت تصريحات المسؤولين اللبنانيين و حزب الله لتكشف تباين الرؤى حول مفهوم السيادة ودور السلاح، وتطرح تساؤلات حول حدود التنازلات الممكنة في ظل الترتيبات الإقليمية الجديدة.

ورقة لبنان.. موقف موحَّد أم مناورة سياسية؟

في خطوة وُصفت بالنادرة، سلمت السلطات اللبنانية للمبعوث الأميركي ردًا مكتوبًا من سبع صفحات يتضمن ملاحظات الرؤساء الثلاثة (رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب) حول آلية وقف الأعمال العدائية. خطوة رحّب بها باراك بوصفها «مؤشرًا إيجابيًا على التعاون»، لكنها لا تعني بالضرورة رضى واشنطن عن مضمون الرد.

رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام، عقب لقائه باراك، شدد على أن لبنان لا يزال متمسكًا باتفاق الطائف وببسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها، وبأن قرار الحرب والسلم يجب أن يكون حصريًا بيد الدولة. لكنه أشار، بشكل لافت، إلى أن حزب الله لا يزال ملتزمًا – بحسب معرفته – باتفاق الطائف وترتيبات وقف الأعمال العدائية، في محاولة لتصوير وجود تماسك سياسي ضمني في مواجهة المطالب الأميركية.

حزب الله يرد على باراك: لا جدول زمني لنزع السلاح

في الجهة المقابلة، كانت لهجة الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم أكثر وضوحًا وتصعيدًا. فقد أكد، قبل زيارة باراك، أن الحزب يرفض وضع أي جدول زمني لإلقاء السلاح، مكررًا معادلة "السلاح ضمانة للردع" في وجه إسرائيل.

رفض الحزب لأي التزام زمني أو تسوية تنزع عنه صفة المقاومة، يعكس فهماً مغايراً للسيادة اللبنانية، يرتكز على توازن الردع بدل احتكار الدولة لأدوات العنف.

وهو موقف يعكس مأزقًا مركبًا في الداخل اللبناني: دولة تُسائلها واشنطن عن حصرية القرار والسلاح، في حين أن أحد مكوناتها الأساسية يرفض التخلي عن قوته العسكرية، ويعتبرها جوهر وجوده السياسي والأمني.

باراك: فرصة لإنهاء النزاع لكن سلاح حزب الله "مشكلة لبنانية"

وصف المبعوث الأميركي، في لقائه مع الرئيس اللبناني جوزيف عون، الرد اللبناني بأنه "بناء"، وأكد أن هناك فرصة حقيقية لإنهاء النزاع مع إسرائيل.

لكنه في الوقت ذاته، شدد على أن قضية سلاح حزب الله "مشكلة لبنانية بحتة"، ما يفتح الباب أمام قراءة مزدوجة: واشنطن تضغط لنزع السلاح، لكنها لا تريد الاصطدام مباشرة بالحزب، بل تدعو الدولة اللبنانية لتحمّل مسؤولياتها.

وفي تصريح لافت، قال باراك إن "الطريق الذي يتبناه الحزب لا يؤدي إلى النجاح أو السلام"، في تلويح بأن استمرار حزب الله في امتلاك السلاح خارج الدولة سيحول دون أي تسوية سياسية مستدامة.

الزغول: لا نُبالغ في الإيجابية.. والترتيب إقليمي لا لبناني فقط

شدد الباحث في مركز الإمارات للسياسات محمد الزغول، خلال مداخلته في غرفة الأخبار على سكاي نيوز عربية على أن تصريحات باراك لا تعكس بالضرورة تقييمًا أميركيًا إيجابيًا، بل هي شكر دبلوماسي على التعاون.

وأشار إلى أن الحكومة اللبنانية قدمت ورقة موحدة، لكن هذا لا يخفي حقيقة أن سلاح حزب الله جزء من ترتيبات إقليمية، وليست محصورة في القرار اللبناني.

ورأى الزغول أن هناك إجماعًا دوليًا على أن الدولة وحدها يجب أن تحتكر أدوات العنف، وأن استمرار تعدد القوى المسلحة داخل لبنان يجعل منه خطرًا على محيطه الإقليمي، ويمنع قيام دولة طبيعية قادرة على فرض سيادتها.

وذهب الزغول أبعد من ذلك حين تحدث عن الفوضى كمعطى إقليمي شامل، وليست ظاهرة لبنانية فقط، مما يعزز ضرورة الانخراط في الترتيب الإقليمي الجديد الذي يهدف إلى إنهاء ظاهرة الميليشيات المسلحة في الشرق الأوسط.

وشدد الزغول على أن أي محاولة لربط تهديدات إسرائيل بفعالية سلاح حزب الله هي قراءة معكوسة للواقع، مؤكدًا أن إسرائيل تتابع أي تهديد، سواء كان فعّالًا أو لا، ضمن استراتيجيتها للردع. وأضاف: "هذا السلاح لم يحمِ أصحابه، ولم يمنع تدمير القرى الجنوبية، بل شكّل ذريعة مستمرة للتدخلات والاعتداءات، وحال دون بناء مؤسسات سيادية قوية في لبنان".

بركات: القرار بيد الحزب

قدّم محمد بركات، مدير تحرير موقع "أساس ميديا"، خلال مداخلته قراءة نقدية صريحة، مؤكدًا أن القرار العسكري في لبنان لا يزال في يد حزب الله، وليس مؤسسات الدولة.

ورأى أن الحزب بات يمثل أقلية حتى داخل الطائفة الشيعية، مشيرًا إلى ظهور انقسامات غير مسبوقة بين حزب الله وحركة أمل، مع بروز تنظيمات شيعية جديدة ومؤشرات واضحة على تبدل المزاج الشعبي في الجنوب.

وأشار بركات إلى أن الصحافة الموالية للحزب هاجمت نبيه بري، محمّلة إياه مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع، خصوصًا بعد الحرب الأخيرة.

وأضاف أن الأصوات المعارضة داخل الطائفة الشيعية أصبحت أكثر جرأة ووضوحًا، ما يشير إلى تحول اجتماعي وسياسي قد يُمهّد لمرحلة جديدة في الداخل اللبناني.

كما كشف بركات عن مداولات جرت بين قيادات أمل وحزب الله في محاولة لصياغة موقف موحّد، لكنه أكد أن السلطة الجديدة في البلاد، التي يقودها الثلاثي نواف سلام – جوزيف عون – نبيه بري، تميل إلى بلورة استراتيجية وطنية تنهي وجود الميليشيات وتعيد احتكار القرار السيادي إلى مؤسسات الدولة.

أمل شموني: لا مفر من القرار الحاسم

من جهتها، قدمت الكاتبة والباحثة السياسية أمل شموني، رؤية مبنية على مقاربة جيوسياسية، مشددة على أن الموقف الأميركي يتجه نحو فرض معادلة جديدة تقوم على دعم الدولة اللبنانية مقابل تقليص نفوذ الميليشيات.

واعتبرت أن دونالد ترامب قد يكون متحمسا للبنان، لكنه يفتقر إلى الصبر الاستراتيجي، وأن الرسائل التي حملها باراك تُنبئ بضرورة اتخاذ قرارات داخلية عاجلة.

ورأت شموني أن استمرار حزب الله في التمسك بسلاحه لن يُنتج حماية حقيقية، بل سيؤدي إلى عزلة لبنان عن محيطه العربي والدولي، ويمنع تدفق الاستثمارات والمساعدات.

وأضافت أن المجتمع الدولي مستعد لدعم لبنان، لكن بشرط أن تفرض الدولة سيطرتها الفعلية على كامل التراب الوطني، وتُعيد صياغة سياستها الدفاعية والأمنية وفقاً لأجندة وطنية لا فئوية.

أما الباحث في الإعلام والاتصال السياسي، علي أحمد، فقد طرح مقاربة تاريخية لمسألة المقاومة، معتبرًا أن نشوء حزب الله كان رد فعل طبيعيًا على غياب الدولة في الجنوب في ظل الاحتلال الإسرائيلي، لكن التطورات الإقليمية والدولية تفرض اليوم تغيير المعادلة.

ولفت أحمد خلال حديثه إلى أن النقاش لم يعد يدور حول شرعية السلاح فحسب، بل حول فعاليته في الدفاع عن لبنان.

وقال: "هذا السلاح لم يمنع الدمار، ولم يُحقق الردع المطلوب، بل أصبح نقطة ضعف وطنية". كما دعا إلى تبني استراتيجية دفاعية وطنية شاملة، تعكس توازنات الداخل وتستند إلى مؤسسات الدولة.

وأشار إلى أن توافق الرئاسات الثلاث على ضرورة إنهاء الميليشيات هو سابقة مهمة في الحياة السياسية اللبنانية، ويجب البناء عليها لتحقيق تحول استراتيجي في بنية الدولة. لكنه في المقابل حذر من أن غياب الجدول الزمني لنزع السلاح قد يُفشل أي محاولة للتسوية، ويجعل من الحوار الداخلي مجرد مناورة سياسية.

سلاح بلا جدوى أم ضمانة ردع؟.. الجدل في صلب الدولة

الانقسام في لبنان لا يدور فقط بين الدولة والحزب، بل داخل البيئة نفسها. إذ يرى البعض أن سلاح حزب الله لا يقدم حماية حقيقية، ويستجلب الحروب والدمار، ويمنع قيام دولة وجيش وطني. في المقابل، يعتبره أنصاره قوة ردع حالت دون اجتياح إسرائيلي، ويؤكدون أن توازن القوى الحالي منع إسرائيل من تنفيذ تهديداتها.

لكن المعضلة تكمن في مكان آخر: كيف يمكن لدولة منقسمة، لا تملك القرار الحصري، أن تُقنع المجتمع الدولي بأنها شريك في الاستقرار؟ وكيف يمكن للداخل اللبناني أن يعيد تشكيل عقده السياسي في ظل استقطاب إقليمي حاد؟.

لم تكن زيارة توماس باراك إلى بيروت مجرد جولة دبلوماسية، بل جرس إنذار جديد للدولة اللبنانية التي تجد نفسها أمام مفترق طرق. فإما أن تنجح في توحيد القرار والسيادة، وتعيد حصر السلاح بيدها في إطار استراتيجية دفاعية وطنية، أو تبقى رهينة الانقسام والازدواجية، معرضة لمزيد من الضغوط والعزلة. سلاح حزب الله ليس مجرد قضية لبنانية داخلية، بل عنوان لتوازنات إقليمية وصراعات هوية لم تُحسم بعد.

وبين موقف واشنطن، وتريث الحزب، وحذر الدولة، تبقى الأسئلة معلقة: هل يبدأ مسار الدولة من ملف السلاح؟ أم أن الدولة بحاجة أولاً إلى استعادة نفسها؟.

سكاي نيوز المصدر: سكاي نيوز
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا