آخر الأخبار

الشارع الرقمي بسوريا.. سلطة رقابية جديدة تعيد تشكيل القرار

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

دمشق- منذ أن خرجت سوريا من عباءة النظام الاستبدادي القديم، ومع بدء تشكل ملامح دولة جديدة، برزت الرقابة الشعبية كأحد أبرز تجليات التحول المجتمعي، وأداة ضغط مدنية بدأت تفرض تأثيرها الواضح على سلوك السلطة وصناعة القرار.

وبينما تتعثر منظمات المجتمع المدني في تأسيس حضور مؤسسي فعال، تصدرت وسائل التواصل الاجتماعي مشهد الرقابة والمساءلة، وأصبحت متنفسا للانتقاد والتعبير الشعبي، ومرآة تعكس المزاج العام ومطالب السوريين.

في هذا السياق، لم تعد الرقابة تقتصر على النخب أو المنظمات، بل تحولت إلى فعل شعبي يومي، حيث يلاحق المواطنون -من خلال الفضاء الرقمي- سلوك الوزراء والمسؤولين، ويراقبون قرارات المؤسسات الرسمية، ويوجهون رسائلهم بصراحة إلى أصحاب القرار، في مشهد لم يكن مألوفا في عهد القمع وتكميم الأفواه برئاسة الرئيس المخلوع بشار الأسد .

تجاوز القنوات التقليدية

وتتأسس الرقابة الشعبية على مبدأ أن "الشعب هو مصدر السلطات"، ومن حقه مراقبة كيفية استخدام السلطة ومحاسبة القائمين عليها، وتتخذ هذه الرقابة في سوريا اليوم شكلا جديدا يتجاوز القنوات التقليدية، إذ باتت منصات التواصل الاجتماعي مثل برلمان افتراضي، تنعقد فيه جلسات مساءلة مفتوحة، وتحسم فيه مواقف الرأي العام تجاه القضايا اليومية.

وخلال الأشهر الستة الماضية، تصدرت قضايا ومسؤولون سوريون الواجهة، بعد أن أثارت تصرفاتهم غضب الشارع الرقمي، ودفعت الحكومة في أكثر من مناسبة إلى تقديم توضيحات أو مراجعة قراراتها.

وأحد أبرز تلك الحوادث صورة جمعت وزير الثقافة محمد ياسين صالح بأحد شيوخ عشائر دير الزور المتهمين بالتعامل مع مليشيات إيرانية والضلوع في انتهاكات خطيرة، مما أثار حملة انتقادات عاصفة، دفعته إلى تقديم اعتذار علني عبر منصة إكس، قائلا "لا أستطيع أن أكشف عن صدور الناس وأعرف مشاربهم.. أعتذر عن أي صورة غير مقصودة".



إعلان

نفي رسمي

كما تعرض جمال الشرع، شقيق الرئيس السوري أحمد الشرع ، لانتقادات حادة بسبب حضوره المجلس ذاته، مما اضطر رئاسة الجمهورية لإصدار بيان رسمي نفت فيه أن يكون جمال الشرع يشغل أي منصب رسمي، وأكدت أنه لا امتيازات خاصة له، التزاما بمبدأ المساواة أمام القانون.

في مشهد آخر أثار جدلا واسعا، عاد إلى الواجهة فادي صقر، أحد قادة "الدفاع الوطني" في عهد النظام السابق، بعد ظهوره العلني ومشاركته في عمليات تسوية أمنية لعناصر سابقين دون محاسبة، مما خلق موجة استنكار دفعت الحكومة إلى عقد مؤتمر رسمي لتبرير الموقف.

وخلال المؤتمر، تحدث حسن صوفان، عضو لجنة السلم الأهلي، مدافعا عن منح صقر "الأمان" بدلا من توقيفه، معتبرا أن الخطوة هدفت إلى تهدئة التوترات المجتمعية، وهو ما فتح عليه باب الانتقاد هو الآخر، وسط مطالب بعدم مكافأة الضالعين في الانتهاكات.

الرقابة الشعبية امتدت إلى المؤسسات التعليمية، حيث واجهت وزارات التربية والتعليم العالي حملات اعتراض بشأن قرارات تتعلق بترخيص الجامعات وشهادات طلاب المهجر، مما اضطر الجهات المعنية لإجراء تعديلات على القرارات.

وفي القطاع الرياضي، أثارت مشاركة لاعبين مثيرين للجدل -مثل علاء النائب وكمال جنبلاط- سخطا عاما دفع وزارة الرياضة لتجميد عضويتيهما، ثم فصل النائب، وإنهاء تعاقد جنبلاط مع نادي الوحدة.

الإعلام الجديد

يرى الإعلامي ماجد عبد النور، عضو اتحاد الصحفيين السوريين، أن الرقابة الشعبية عبر الفضاء الرقمي باتت بديلا حيويا لغياب منظمات المجتمع المدني.

ويقول -في حديثه للجزيرة نت- إن "وسائل التواصل الاجتماعي تحولت إلى المؤشر الأكثر دقة لقياس المزاج الشعبي.. وهي الآن تلعب دورا مركزيا في توجيه السياسات وتصويب القرارات، وإن كان ذلك بشكل غير مباشر".

من جهته، يرى الباحث والكاتب أحمد أبا زيد أن الرقابة الشعبية نشأت من روح الثورة، مؤكدا أن الرأي العام اليوم أداة حقيقية لتقويم أداء الدولة.

ويضيف للجزيرة نت: "صحيح أن الموارد شحيحة، لكن الرغبة الشعبية في بناء دولة عادلة تمثل حجر الأساس. لذلك، لا بد من إشراك هذا الرأي العام في عملية اتخاذ القرار، لأنه يشكل الضامن الأكبر للاستقرار والشرعية".

مصدر الصورة وسائل التواصل الاجتماعي تحولت إلى المؤشر الأكثر دقة لقياس المزاج الشعبي (أسوشيتد برس)

المؤسسات تستجيب

ويقول مدير العلاقات العامة في وزارة الإعلام علي الرفاعي إنه "منذ تحرير سوريا، بذلت الدولة جهودا كبيرة في الإصلاح، لكن هذه الجهود ما كانت لتثمر لولا وعي المجتمع ونقده المسؤول".

وأضاف الرفاعي -في حديث للجزيرة نت- أن التفاعل بين الدولة والمواطن يشكل نواة لدولة القانون، وهو ما انعكس عمليا على قرارات عدة جرى تعديلها استجابة لصوت الشارع، حسب كلامه.

اللافت أن هذه الحالة السورية الجديدة تأتي في أعقاب عقود من القمع والرقابة الأمنية المشددة التي مارستها السلطة السابقة، مما يجعل من الرقابة الشعبية اليوم مكسبا يحتاج إلى ترسيخ وتطوير، لضمان عدم العودة إلى المربع الأول.

وتؤكد تجارب بلدان خرجت من حروب طويلة، مثل ليبيا والعراق وبولندا وجنوب أفريقيا، أن الرقابة الشعبية تسهم في تصحيح مسار السلطات الانتقالية، وتسد ثغرات المؤسسات الهشة، وهو ما يمنح التجربة السورية الناشئة بعدا أعمق في طريق إعادة بناء الدولة على أسس جديدة.

إعلان

ويأمل السوريون أن تؤسس هذه الرقابة لتوازن حقيقي بين المواطن وصاحب القرار، بحيث تبنى دولة تستجيب لتطلعات الناس، وتحمي تضحياتهم، وتخرج البلاد من عباءة الاستبداد إلى فضاء الديمقراطية والمساءلة المجتمعية.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا