في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
أثار قرار تقليص واشنطن وجودها العسكري في سوريا موجة من التساؤلات بشأن مدى الثقة بين إدارتي الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره السوري أحمد الشرع ، إضافة إلى التأثيرات العملية والخطط الجارية لملء الفراغ المتوقع.
وفي هذا السياق، قال هاينو كلينك نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق إن قرار الولايات المتحدة "مؤشر على حقبة جديدة بين واشنطن ودمشق"، مشيرا إلى اجتماع ترامب والشرع في الرياض، مما أوجد مستوى ثقة أعلى بين إدارتيهما.
ووفق حديث كلينك لبرنامج "ما وراء الخبر"، فإن إدارة ترامب تعيد تقييم علاقاتها مع الشرق الأوسط، وتفضل العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية على نظيرتها العسكرية، مشيرا إلى أن واشنطن تثق بأن لديها شركاء في دمشق للتعاون لمواجهة أي تهديد محتمل.
كما تعلمت إدارة ترامب الدرس من "الانسحاب الكارثي من أفغانستان"، الذي تم في عهد إدارة جو بايدن ، وأنهى أي وجود أميركي هناك.
وكذلك، يأتي في سياق خفض الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط وأوروبا للتركيز على أولويات أخرى في منطقة المحيطين الهادي والهندي، حسب كلينك.
وكان مسؤولان أميركيان قالا للجزيرة إن القوات الأميركية ستحتفظ بقاعدة واحدة في سوريا -من أصل 8 قواعد- في محيط الحسكة شمال شرقي سوريا.
وكشف هذان المسؤولان عن أن القوات الأميركية ستتخلى عن جميع قواعدها الأخرى في سوريا بما فيها التنف، وأكدا أن الانسحاب في سوريا سيتطلب عدة أشهر وظروفا أمنية مناسبة.
بدوره، يرى عميد كلية العلوم السياسية في جامعة الشمال بإدلب كمال عبدو أن القرار متوقع بناء على الإستراتيجية الأميركية الجديدة في المنطقة، وأنه جاء تتويجا للقاء ترامب والشرع في الرياض.
وأوضح عبدو أن القرار الأميركي مشروط بتعاون الحكومة السورية وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه، لافتا إلى أن التفاهمات وصلت إلى درجة عالية تسمح بالانسحاب الأميركي من سوريا.
وأكد أن حكومة دمشق تنظر بإيجابية عالية للقرار الأميركي، متحدثا عما سمّاها "شراكة إستراتيجية تشكل انقلابا في السياسة الخارجية السورية".
ووفق حديث المسؤولين الأميركيين للجزيرة، فإن أكثر من 500 جندي أميركي غادروا سوريا في إطار عملية الانسحاب، مشيرين إلى أن عدد القوات الأميركية في سوريا سينخفض إلى أقل من ألف جندي بحلول نهاية العام "إذا سمحت الظروف".
وأكدا إخلاء 3 قواعد في شمال شرق سوريا، وهي القرية الخضراء والحسكة والفرات، وسلمت بعضها لقوات "سوريا الديمقراطية" ( قسد ).
من جانبه، رجح الباحث الأول بمركز الجزيرة للدراسات لقاء مكي أن الانسحاب الأميركي من سوريا وعدم القيام بخطوات مماثلة في العراق والأردن والخليج قد يتعلق بـ"استعدادات وتوقعات باحتمال اندلاع صراع في المنطقة".
وأوضح مكي أن القواعد الأميركية في سوريا حديثة نسبيا، و"لن تقوم بدور في المعارك المحتملة"، مشيرا إلى أنها أنشئت لأسباب لوجستية وأمنية لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية والعناصر الإرهابية.
وأشار إلى احتمال عودة الإرهاب من جديد في سوريا، بعد تدمير إسرائيل مقدرات الجيش السوري السابق، مضيفا أن ما تبقى للجيش السوري الجديد أسلحة متوسطة إلى خفيفة.
لكن عبدو شدد على ضرورة ملء الفراغ في المنطقة بعد الانسحاب، مشيرا إلى أن ذلك يقع على عاتق الحكومة السورية وحلفائها في أنقرة والدوحة والرياض، وأكد أهمية تولي دمشق ملف سجون تنظيم الدولة في شمال شرقي سوريا.
وأقر بعجز القوات السورية بمفردها عن إدارة هذا الملف، لذلك هناك حاجة إلى "تعاون إقليمي وإنشاء مركز لتنسيق العمليات ضد الإرهاب في سوريا".
وتهدف واشنطن من قرارها -حسب مكي- حماية قواتها من صراع ممكن في المنطقة، معتبرا أن الأمر يتعلق بهشاشة الوضع الأمني في هذه القواعد، مما يجعلها أهدافا سهلة لخصومها.
ووفق مكي، فإنه لا توجد مؤشرات على انسحابات أميركية من العراق والأردن والخليج، مشيرا إلى المنطقة تعتبر إستراتيجية للأميركان لمواجهة نفوذ الصين.
وبشأن اجتماع المبعوث الأميركي إلى سوريا توماس باراك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، قال كلينك إنه يعطي انطباعا بأن هناك قلقا أميركيًا من استمرار الضربات الإسرائيلية في سوريا، التي "قد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار فيها، ولا تدعم الأهداف الأميركية هناك".
أما مكي فقال إن هناك اختلافات بين واشنطن وتل أبيب بشأن الملف السوري، وقال إن لقاء ترامب والشرع كان مفاجئا ومزعجا لإسرائيل، التي كانت في خضم "محاولة لتقسيم سوريا، وخلق كيان درزي في الجنوب السوري".
وأوضح أن واشنطن أقامت علاقات أمنية مع النظام الجديد في سوريا، الأمر الذي أوقف مساعي إسرائيلية لـ"تقسيم سوريا وإثارة الفوضى فيها من أجل إزاحة خطر محتمل قد يأتي إليها مستقبلا".
لكن عبدو يرى الخلاف الأميركي الإسرائيلي بشأن سوريا "تكتيكيا"، وليس إستراتيجيا، معتبرا أنه يندرج في سياق "توزيع أدوار متكاملة للتعامل مع الملف السوري".
وقال إن إسرائيل بحاجة إلى "نظام قادر على ضبط الأوضاع في سوريا، وتفضل ذلك على تقسيمها"، لذلك تضغط عبر ورقة الأقليات والتوغلات من أجل "إجبار النظام الجديد على تقديم تنازلات مستمرة".