نورستان هي إحدى ولايات أفغانستان الـ34 والتي يطلق عليها سويسرا أفغانستان، هي الوجهة الأولى للسياح الذين يقصدون أفغانستان، ذلك أن نورستان -التي تقع شمال شرقي البلاد على الحدود مع باكستان، عبارة عن أكثر من 9 آلاف كيلو متر مربع من الجبال المغطاة تماما بالأشجار والنباتات، تتخللها أنهار غزيرة، وتتفجر من صخورها ينابيع مياه عذبة، بعيدة تماما عن عبث الإنسان، فهي مناطق بكر لم تطلها آثار الحضارة الحديثة ولم تعكر صفوها الوسائل التكنولوجية المعاصرة.
وإذا كنتَ من هواة السفر إلى مناطق هادئة بعيدة عن صخب المدن الحديثة وعن ازدحام السياح، فنورستان تعد وجهة مثالية لك، فبعد الوصول إلى كابل يمكنك إما استئجار سيارة، أو استخدام وسائل النقل العمومية، والتي تكون رخيصة التكاليف، وهي عبارة عن سيارات مشتركة من كابل إلى ولاية جلال آباد أولا حيث لا تتعدى أجرتها 5 دولارات، ومن ثم من جلال آباد إلى ولاية كنر بالسعر نفسه.
يمكنك المبيت في أحد الفنادق في مدينة أسعد آباد مركز ولاية كُنَر، حيث لا تتعدى أجرة المبيت 10 دولارات لليلة الواحدة، وفي اليوم التالي عليك استئجار سيارة دفع رباعي قد تصل أجرتها في اليوم الواحد إلى قرابة 50 دولارا، ومن مدينة أسعد آباد إلى مدينة بارون مركز ولاية نورستان، قد تستغرق الرحلة قرابة 7 ساعات، وفي بارون يمكنك المبيت في أحد الفنادق البسيطة هناك بأجرة لا تتعدى 20 دولارا.
تعد نورستان من أفضل الخيارات لممارسة هذه الرياضة لا سيما في فصل الصيف، حيث الحرارة المعتدلة والمناظر الطبيعية الخلابة، ويمكنك اكتشاف جمال الأودية وأهمها وايجل وبيتش وباشجل، وغيرها من الأودية التي تجري فيها الأنهار كنهر لندي سين، وشرب الماء مباشرة من عيون الماء العذبة التي تتفجر من الصخور، ولكن عليك الاستعداد جيدا واصطحاب ما يلزمك من الأطعمة، لعدم توفر المطاعم في هذه الجبال.
النورستانيون هم على عكس معظم الأفغان يمتازون بالملامح الأوروبية، إذ يمتلكون عيونا زرقاء وشعرا أشقر، ويقال إنهم من نسل المقدونيين الذين غزوا هذه المنطقة، ويرى آخرون أنهم من نسل الآريين القلائل الذين لم يختلطوا بغيرهم من الأقوام، فحافظوا على جيناتهم الآرية.
ويعرف على أهل نورستان حسن الضيافة كباقي الأفغان وترحيبهم بالأجانب والتعامل ببساطة وانفتاح مع الغرباء.
تعج في نورستان العديد من كهوف ومغارات، عاش فيها الرهبان البوذيون في هذه الجبال بعيدا عن صخب الحياة، ولا تزال هذه الكهوف تمتلئ بالرموز البوذية الشاهدة على فترة تاريخية مهمة من تاريخ نورستان.
وهناك عدة متاحف شخصية قام بإنشائها بعض السكان المحليين، وأبرزها متحف السيد شاه ولي نورستاني في منطقة شرق نورستان، والذي يحوي مئات القطع الأثرية الشاهدة على الفترتين البوذية والإسلامية من تاريخ المنطقة.
تنتشر في جبال نورستان نماذج لمصانع خمر بدائية، وهي شاهدة على فترة تاريخية سبقت دخول النورستانيين في الإسلام، وهي عبارة عن تجويفين صخريين كبيرين بينهما قناة، حيث كان العنب يوضع في أحد التجويفين ويعصر بدوسه بالأقدام، إلى أن تخرج عصارة العنب عبر القناة الفاصلة إلى التجويف الثاني.
وبعد أن يمتلئ التجويف يتم نقل العصارة إلى خزان كبير خاص محفور في الصخر، حيث يتم إغلاقه وتعتيق الخمر فيه لمدة لا تقل عن عام كامل، وهي من الآثار التي مازالت تجذب السياح، سواء من الداخل أو الخارج.
ففي العطلات الصيفية والأعياد، يتوجه الآلاف من الأفغان من مختلف ولايات أفغانستان لزيارة نورستان، والتي تم تسميتها بالحديقة الوطنية بعد حديقتي باميان وبامير الوطنيتين، حيث بلغ عدد الزائرين من باقي محافظات أفغانستان قرابة 100 ألف في 2024 حسب الإحصائيات الرسمية، كما يتوافد بعض السياح الأجانب من أوروبا ومن الصين ومن البلاد العربية.
يشتهر النورستانيون بهذه الرياضة ولها أهمية كبيرة لديهم، وتقام هناك مسابقات سنوية ترعاها المؤسسات المحلية والشخصيات البارزة في الولاية، ولها قوانين محددة وتجذب أعدادا كبيرة من المتفرجين، حيث تقام في منطقة مفتوحة قرب مبنى الولاية في مدينة بارون عاصمة الولاية، ويشرف الوالي شخصيا على إقامتها، كما يحضرها العديد من المسؤولين الحكوميين والسكان المحليين والسياح المحليين والأجانب، وتمثل هذه الرياضة التاريخ العريق للمقاتلين النورستانيين وأدوات الصيد التقليدية لدى النورستانيين.
يشتهر النورستانيون بمسابقة الرمي بالسهام وهي تحتل مكانة كبيرة في مناسباتهم الاجتماعية (مواقع التواصل)على عكس معظم مناطق أفغانستان حيث تبنى البيوت بالحجارة أو الطين، فإن البيوت والمساجد والجسور في نورستان تبنى من الخشب، ولا سيما خشب الجوز والعرعر والصنوبر وغيرها، وذلك لتوفره بكميات كبيرة في غابات نورستان، إضافة لوجود العديد من الصناعات اليدوية الخشبية التقليدية التي يبرع بها النورستانيون، والتي توارثوها من الآباء والأجداد، من أوانٍ وتحف وتذكارات من الخشب المحفور يدويا، حيث تمتلئ الأسواق المحلية بالمحال التي تعرض هذه الصناعات، ويمكن شراؤها بأسعار معتدلة.
بخلاف مناطق أفغانية كثيرة تبنى البيوت في نورستان من خشب الجوز والعرعر والصنوبر وغيرها (مواقع التواصل)تبقى مظاهر الحياة في نورستان بعيدة عن الإنترنت ووسائل التواصل الحديثة، فالجبال الوعرة والطرق غير المعبدة أدت لعزلة هذه المناطق، وجعلت أهلها مستمرين في أسلوبهم القديم في الحياة، وحياتهم تعتمد على الرعي بشكل رئيسي والزراعة أيضا، وهم يأكلون ما يزرعون ويلبسون ما يخيطون.
ويتميز اللباس النورستاني عن غيره من الألبسة الأفغانية الأخرى بأنه مصنوع من صوف الخروف، أو وبر الجمل ويكون مطرزا بالألوان الزاهية سواء للرجال أو النساء، ويميل النورستانيون للألوان الزاهية والملابس المكسوة بالتطريز، والذي تقوم به الفتيات محليا، ويعيشون حياة هانئة بعيدا عن صخب الحضارة والتمدن.
ويمكنك الاستعانة بدليل سياحي للتعرف بدقة على تاريخ المنطقة، إذ كان هؤلاء القوم آخر الأقوام الأفغانية دخولا في الإسلام، وكان يطلق على منطقتهم اسم كافرستان أي أرض الكفار، إذ إنهم وبسبب بعدهم عن المدن والجبال الوعرة التي عزلتهم عما حولهم وقوة وبأس رجالهم الذين كانوا سدا في وجوه الغازين، وحتى في وجوه الفاتحين المسلمين، بقوا على دياناتهم السابقة لمدة طويلة، ولا سيما البوذية وبعض الديانات الوثنية الأخرى.
جبال نورستان وسفوحها تكتسي منظرا بديعا خلال فصل الثلوج (مواقع التواصل)واستمر الوضع كذلك إلى أن دخل النورستانيون إلى دين الإسلام قبل أقل من 150 عاما، حين فتحت أراضيهم على يد الملك الأفغاني آنذاك الأمير عبد الرحمن خان، وغير اسم المنطقة إلى نورستان أي أرض النور.
يتسم المطبخ في نورستان بأنه مزيج رائع من أطباق وسط آسيا وجنوبها وغربها، ومطبخ تلك المنطقة هو جزء من المطبخ الأفغاني الذي يتسم بالغنى وتنوع النكهات، ولا سيما الكباب والخبز الأفغاني، واللذان يعدان من بين الأفضل في العالم.
وتوجد عدة مطاعم في مركز ولاية نورستان، كما تحوي الفنادق على مطاعم تقدم الوجبات المحلية، وعلى العموم تتراوح أسعار الوجبات في المطاعم ما بين دولارين إلى 5 دولارات فقط.