في مقال تحذيري جديد بصحيفة معاريف، دقّ الجنرال الإسرائيلي (احتياط) إسحق بريك ناقوس الخطر حيال ما وصفها بـ"الورطة العميقة" التي تواجهها إسرائيل بعد مرور أكثر من عام ونصف العام على بدء الحرب على قطاع غزة.
ورغم أنه حرص سابقا على تأكيد ذلك بقوله إن الجيش الإسرائيلي لم يهزم حركة المقاومة الإسلامية ( حماس )، وإن "المؤسسة السياسية والعسكرية تضلل الجمهور"، فإن الجديد في مقاله هو إشارته إلى أن إسرائيل تواجه جبهة جديدة تتمثل في التهديد الداخلي المتصاعد الذي بات يضرب تماسك الدولة الإسرائيلية من داخلها، نتيجة فقدان الثقة بالقيادة السياسية والعسكرية، وتفكك الروابط بين مكونات المجتمع الإسرائيلي، وتدهور صورة إسرائيل دوليا.
ورغم أن الجنرال المتقاعد ومفوض شكاوى الجنود السابق، اعتاد منذ سنوات على توجيه انتقادات حادة للمؤسسة الأمنية والعسكرية في إسرائيل، فإن مقاله الجديد في صحيفة معاريف اتسم بنبرة أكثر حدة وشمولا، إذ انتقل من انتقاد الأداء العسكري في غزة إلى الحديث عن أزمة قيادة في هيئة الأركان، وفقدان الجيش الجاهزية لمواجهة تهديدات خارجية متزايدة، ومقامرة نتنياهو بمصير الدولة، فضلا عن إشارته إلى أن مكانة إسرائيل الدولية تتآكل، وتحديدا في الولايات المتحدة، الحليف الأبرز لها.
بدأ بريك -الذي يلقبه الإعلام الإسرائيلي بأنه "نبي الغضب"، لأنه تنبأ بهجوم تشنه المقاومة الفلسطينية على غرار هجوم طوفان الأقصى – مقاله بالتشديد على أن "إسرائيل لم تقترب من هزيمة حماس" على الرغم من تدمير أجزاء واسعة من قطاع غزة ومواصلة العمليات العسكرية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وكتب أن "وزير الدفاع السابق يوآف غالانت ورئيس أركانه هرتسي هاليفي والناطق باسم الجيش دانيال هاغاري خدعوا الجمهور الإسرائيلي، بمساعدة وسائل الإعلام المعبأة"، معتبرا أنه وحده الذي كان يقول الحقيقة للجمهور الإسرائيلي.
وأوضح أن ما تم تدميره من شبكة أنفاق حماس لا يتجاوز 25% بحسب الاعترافات الأخيرة للجيش، بينما لا تتجاوز النسبة الفعلية 10%، على حد قوله. كما أشار إلى أن عدد عناصر حماس المقاتلين لا يزال مستقرا عند نحو 30 ألفا، مما يدل على أن الجيش "لم ينجح في تصفية القوة القتالية للحركة كما يزعم".
وأضاف أن "الأنفاق الممتدة من سيناء إلى قطاع غزة عبر محور فيلادلفيا لا تزال مفتوحة، والتهريب مستمر، في حين لم يتم تدمير لواء رفح التابع لحماس ولا الكتائب الأخرى".
ولم يستثن بريك رئيس الأركان الجديد الجنرال إيال زامير من الانتقاد اللاذع، رغم أنه أكد وجود علاقة مهنية سابقة بينهما عندما كان بريك مديرا عاما لوزارة الدفاع. وقال: "أشعر بخيبة أمل كبيرة من إيال زامير. لقد وعدني بأنه سيتبنى توصيات فرق الخبراء التي أعددتها معه وأدرجها في خطة الجيش متعددة السنوات، لكنه خالف كل ذلك".
وقال إن وعود زامير لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تتناقض مع تصوره لقدرات الجيش الإسرائيلي، وأشار إلى أن تعهده لرئيس الوزراء بأنه سيتمكن من تحقيق ما لم ينجح فيه سلفه هاليفي -وهو إسقاط حماس وإقامة حكومة عسكرية في غزة واستبدال نظام حماس- إنما كان من أجل تعيينه رئيسا للأركان.
وذهب أبعد من ذلك بوصفه زامير بأنه "أصبح دمية في يد نتنياهو ووزير دفاعه يسرائيل كاتس"، بل اتهمه بأنه يتعاون معهما في "خداع الجمهور عبر الادعاء بأن الضغط العسكري سيفضي إلى إطلاق سراح الرهائن".
وأشار إلى أن زامير دعم نتنياهو في التراجع عن اتفاق كان قد تم توقيعه لوقف إطلاق النار مقابل إطلاق الأسرى دفعة واحدة، واصفا ذلك بأنه قرار مدمر "لن يؤدي إلى تحرير المختطفين، بل إلى مزيد من الخسائر في صفوف القوات الإسرائيلية".
وفي تقييمه الإستراتيجي، قال بريك إن "الجيش الإسرائيلي يواصل خوض حرب خاسرة"، وإن استمرارها لن يؤدي إلى أهدافها، بل سيقوّض قدرة الجيش على التأهب للتهديدات المتزايدة، مشيرا إلى أن "إسرائيل غير مستعدة إطلاقا لمواجهة حرب متعددة الجبهات".
وسرد التهديدات الخارجية المتعاظمة كما يلي:
وخلص إلى أن "الجيش لا يملك القدرة للتعامل مع هذه التهديدات مجتمعة".
وفي سياق متصل، تطرق بريك إلى المعضلة النووية الإيرانية، قائلا إن "التهديد الأكبر" يكمن في تصريحات نتنياهو المتكررة حول نية إسرائيل مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية بمفردها إن لم تقم الولايات المتحدة بذلك.
ووصف هذه النية بأنها "مقامرة بوجود الدولة"، قائلا: "حتى الجهلة يعلمون أن مهاجمة إيران منفردة قد تشعل الشرق الأوسط وربما العالم". وأضاف أنه "من دون مساعدة عسكرية ومدنية من الولايات المتحدة، لن تتمكن إسرائيل من البقاء في مواجهة التهديدات المتزايدة".
كما نقل عن رئيس هيئة الأركان الأميركية أن أي ضربة عسكرية لن تؤدي إلا إلى تأخير البرنامج النووي الإيراني، وأن الحل الوحيد يتمثل في اتفاق سياسي.
وفي انتقاد لاذع لسياسات نتنياهو الخارجية، قال بريك إن "نتنياهو أحرق جميع الجسور تقريبا مع الولايات المتحدة"، مشيرا إلى أن 16 عاما من قيادته أفضت إلى "تآكل العلاقات مع الجمهور الأميركي، واليهود الأميركيين، وتوتير العلاقات مع الحزب الديمقراطي".
وأردف أن استطلاعات الرأي الأخيرة في الولايات المتحدة أظهرت تراجع الدعم الشعبي لإسرائيل، إذ لم يعد نحو 50% من الأميركيين يدعمونها، مما يهدد استمرار الدعم العسكري والمدني الذي وصفه بأنه "شرط لبقاء إسرائيل".
كما تطرّق إلى حادثة حذف تغريدة التعزية الإسرائيلية بوفاة بابا الفاتيكان فرانشيسكو، وعدم إرسال مسؤول إسرائيلي رفيع إلى جنازته، واصفا ذلك بأنه "إهانة للمسيحيين في أنحاء العالم"، مشيرا إلى رسائل غضب تلقاها مكتب رئيس الوزراء من رؤساء الطائفة الكاثوليكية في إسرائيل.
وفي ختام مقاله، أكد بريك أنه لا ينتمي لأي معسكر سياسي، بل يصوّت لما يراه مصلحة للدولة فقط. وكتب: "اليسار والوسط ينتقدان المستوى السياسي ويتجنبان نقد الجيش، أما اليمين فيركز على انتقاد اليسار وقوات الأمن معا. أما أنا، فأنتقد الجميع بحسب دورهم في التقصير، من دون تمييز".
وشدد على أنه لا يكتفي بالنقد، بل يطرح الحلول، ويعتقد أن "الطريق الوحيد لإنقاذ إسرائيل من الانهيار يكمن في معالجة شاملة لأعطاب الأجهزة الأمنية والسياسية والاجتماعية".