بعد وفاة البابا فرنسيس عن عمر ناهز 88 عاماً، وإتمام مراسم دفنه السبت الماضي، يجتمع الكرادلة من مختلف أنحاء العالم قريباً في الفاتيكان لانتخاب بابا جديد خلفاً للراحل فرنسيس، في عملية سرّية تعود لقرون تُعرف باسم "الكونكلاف" أو "المجمع المغلق". لكن من أين يأتي هؤلاء الكرادلة؟ وهل تؤثر التحولات الجيوسياسية داخل الكنيسة في عملية التصويت؟
يوجد حالياً 252 كاردينالاً يشكلون مجمع الكرادلة، منهم 135 كاردينالاً دون سن الثمانين، وبالتالي يحق لهم التصويت لاختيار البابا الجديد. وهذا أكبر عدد من الكرادلة الذين يحق لهم التصويت في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية.
ويُعرف الكرادلة بأنهم كبار رجال الدين في الكنيسة الكاثوليكية، وغالباً ما يتم تعيينهم كأساقفة.
عيّن البابا فرنسيس الغالبية العظمى من الكرادلة المؤهَّلين للتصويت، وعددهم 108، بينما اختار سلفاه - البابا بنديكتوس السادس عشر والقديس يوحنا بولس الثاني - البقية.
ويقول بعض خبراء الفاتيكان إن البابا فرنسيس - وهو أول بابا من أمريكا اللاتينية وأول حبر أعظم غير أوروبي منذ القرن الثامن - عمد إلى تشكيل المجمع بطريقة تضمن استمرار إرثه التقدمي والشامل.
تغير تمثيل الكرادلة الجغرافي بشكل ملحوظ خلال بابوية فرنسيس التي استمرت 12 عاماً.
ولأول مرة في التاريخ، لم يعد الأوروبيون يشكّلون الأغلبية بين الكرادلة المؤهلين للتصويت، إذ انخفض تمثيلهم الآن إلى 39 في المئة فقط، مقارنة بـ52 في المئة عام 2013.
ومن بين 108 كرادلة مؤهلين للتصويت عيّنهم البابا فرنسيس، 39 في المئة من أوروبا، و19 في المئة من أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، و19 في المئة من منطقة آسيا والمحيط الهادئ، و12 في المئة من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، و7 في المئة من أمريكا الشمالية، و4 في المئة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويبلغ إجمالي عدد الكرادلة غير الأوروبيين 73 كاردينالاً.
ويقول الدكتور مايلز باتندن، المؤرّخ لشؤون الكنيسة الكاثوليكية بجامعة أكسفورد، إن هذا التحوّل نحو كنيسة كاثوليكية أكثر تمثيلاً عالمياً، يُعد تسريعاً لتوجه بدأ في القرن التاسع عشر، إذ كان الكرادلة في السابق من الأوروبيين بالكامل تقريباً، ومعظمهم من الإيطاليين.
ويضيف باتندن أن البابا فرنسيس كان يؤمن بأن مجمع الكرادلة يجب أن يعكس كل المجتمعات الكاثوليكية حول العالم، بغض الطرف عن حجمها.
وهذا يفسّر - كما يرى - سبب تعيين البابا فرنسيس لكرادلة من دول مثل منغوليا والجزائر وإيران، بدلاً من دول مثل أيرلندا أو أستراليا.
في العلن، يقول الكرادلة إن الجغرافيا لا تؤثر على قرارهم، ولكن عملياً، من المرجح أن تكون عاملاً مؤثراً، كما يشير باتندن.
ويوضح أن العديد من الكرادلة من دول جنوب العالم، يعتقدون - بشكل غير معلن - أن الوقت قد حان لاختيار بابا جديد من منطقتهم، خصوصاً من آسيا أو أفريقيا، في حين يشعر العديد من الأوروبيين، وخصوصاً الإيطاليين، بأن البابوية يجب أن تعود إلى منطقتهم.
وهناك أيضاً انقسام بين الكرادلة الذين يعيشون في روما - حيث يقع الفاتيكان - والذين يعيشون خارجها.
ويشير باتندن إلى أن العديد من الكرادلة الإيطاليين، لطالما عملوا مع بعضهم لفترات أطول بكثير من الكرادلة في دول جنوب العالم، لذلك فإنهم أكثر ميلاً للتصويت كمجموعة متماسكة.
وسيكون للأيديولوجيا السياسية أيضاً دور مهم في التصويت.
ويضيف باتيندن: "على سبيل المثال، العديد من الكرادلة في أمريكا اللاتينية يتمتعون بتوجهات تقدمية إلى حد كبير"، شارحاً "إنهم يختلفون كثيراً عن الكرادلة الأفارقة الذين يكونون عموماً محافظين للغاية، وهو ما يعني أن التحالفات تتشكل عبر الحدود الجغرافية".
وأثناء انعقاد "المجمع المغلق"، يُعزل الكرادلة عن العالم الخارجي ويُمنعون من استخدام الهواتف والإنترنت والصحف.
ويقيم الكرادلة في مبنى سانتا مارثا، وهو بيت ضيافة مكون من خمسة طوابق في مدينة الفاتيكان، ويترددون كل يوم على كنيسة السيستين، حيث يتم التصويت سراً.
يُدوِّن كل كاردينال اختياره على ورقة اقتراع، ثم يضعها داخل جرة كبيرة من الفضة المزخرفة بالذهب.
ويحتاج الفائز إلى أغلبية ثلثي الأصوات ليكون رأس الكنيسة الجديد.
وبينما تدور كل هذه الأحداث، ينتظر الكاثوليك في ساحة سانت بطرس القريبة، بمراقبة الدخان الذي يتصاعد من مدخنة كنيسة السيستين، إذ يعني الدخان الأسود عدم التوصل إلى قرار، بينما يشير الدخان الأبيض إلى أن البابا الجديد تم اختياره.
وعادةً ما يظهر البابا الجديد - الذي يجب أن يعلن قبوله المنصب رسمياً أمام مجمع الكرادلة - على الشرفة المطلة على ساحة سانت بطرس في غضون ساعة من انتخابه.
واستمرّ أطول "مجمع مغلق" في التاريخ مدة عامين وتسعة أشهر، بدءاً من عام 1268، لكن في الآونة الأخيرة، أصبحت المجمعات المغلقة أسرع، ومنذ منذ أوائل القرن العشرين، باتت تستغرق في المتوسط ثلاثة أيام.
وتم انتخاب البابا فرنسيس وسلفه البابا بنديكتوس السادس عشر خلال يومين فقط.
ومنذ وفاة البابا فرنسيس، تم اقتراح العديد من الأسماء كخلفاء محتملين، من إيطاليا وكندا وغانا والفلبين.
ويقول باتندن إن النقاشات بدأت بالفعل بين الكرادلة لمعرفة ما إذا كان هناك أي توافق حول مرشح أو اثنين.
ومع ذلك، يشير باتندن إلى أن من الصعب التنبؤ بالنتيجة، إذ يوضح أنه "على عكس الانتخابات التي تجري داخل أي حزب سياسي لاختيار زعيمه؛ حيث يضمن الحصول على العدد المطلوب من الأصوات الفوز - تتضمن عملية اختيار البابا أكثر من مجرد جمع أصوات الأغلبية البسيطة"، كما يقول.
ويضيف أن "هناك شعوراً بأن الكنيسة بحاجة إلى التحرك من خلال التوافق، ما يعني أنه من المهم عدم إقصاء الأقليات".