تستعد الكويت لاستضافة قمة قادة دول مجلس التعاون الخليجي "القمة الخليجية"، وسط حالة من التوتر والتصعيد يشهدها الشرق الأوسط منذ أكثر من عام.
ويتوقع أن الحرب المستمرة في غزة، وتبعاتها التي امتدت إلى لبنان واليمن والبحر الأحمر وتصاعدت إلى حد تبادل الضربات بين إسرائيل وإيران، ستلقي بظلالها على جزء كبير من جدول أعمال القمة.
ليست هذه القمة الأولى التي تُعقد في ظل الصراع الجاري في المنطقة، ففي بداية ديسمبر/كانون الأول 2023، انعقدت القمة الخليجية في الدوحة، بعد نحو شهرين من هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، الذي نفذته حماس ضد بلدات ومواقع عسكرية إسرائيلية في المنطقة المحيطة بقطاع غزة، وكان الهجوم نقطة بداية لحرب لم تقتصر آثارها على غزة.
صدر عن تلك القمة ما سُمّي "إعلان الدوحة"، الذي أكد على إدانة قادة دول الخليج لما وُصِف بـ "القصف العشوائي الذي تقوم به القوات الإسرائيلية في قطاع غزة" إضافة إلى "التهجير القسري للسكان المدنيين".
ورحب الإعلان بجهود الوساطة التي قامت بها مصر وقطر والولايات المتحدة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، مؤكداً موقف دول الخليج "الثابت من القضية الفلسطينية".
وبعد مرور نحو عام من قمة الدوحة، لا تزال الحرب دائرة في غزة، ما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع.
وعلى الرغم من دخول اتفاق بوقف إطلاق النار حيز التنفيذ في لبنان مؤخراً، إلا أنه جاء بعد أسابيع من تصعيد تسبب في سقوط آلاف القتلى والجرحى، وتهجير مئات الآلاف، وتدمير مناطق واسعة في جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت وبعلبك وغيرها.
ولا يقتصر التركيز في القمم الخليجية على الأوضاع في المنطقة؛ فالراصد للقمم الخليجية السابقة يدرك أن ملفات أخرى تحضر عادة فيها، مثل الوحدة الاقتصادية، والمنظومتين الدفاعية والأمنية المشتركة، والعمل الخليجي المشترك، واستقرار أسواق النفط، وتنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط، وحماية البيئة، وغيرها.
القمة الخليجية المقبلة، أو الدورة الخامسة والأربعون للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية كما تُسمى رسمياً، ستكون الثامنة التي تستضيفها الكويت على مدار 43 عاماً من عمر المجلس.
وتُعقد القمم الخليجية كل عامٍ عادة، مع عقد لقاء تشاوري نصف سنوي بين قادة الدول الأعضاء بين كل قمتين، وهو نهج اتفق عليه قادة دول الخليج في القمة العربية الإسلامية سنة 1998.
يشكل الصراع الدائر منذ أكثر من عام في المنطقة تحدّياً أساسياً أمام قادة دول الخليج، ولعلّ في حلول الأوضاع الإقليمية في مقدمة نقاط البيان الختامي لقمة الدوحة العام الماضي، مؤشراً على مدى تأثير هذه الأوضاع على دول مجلس التعاون.
ويتوقع الكاتب والباحث السعودي خالد النزر أن تأخذ الأحداث الإقليمية حيزاً كبيراً من جدول أعمال قمة الكويت، مثل الحرب في غزة ولبنان.
وتوقع النزر خلال حديث مع بي بي سي، أن يُعاد التأكيد على "مركزية القضية الفلسطينية ومناصرة الشعب الفلسطيني"، ودعم وتأسيس "الدولة الفلسطينية المستقلة"، مع إدانة استمرار ما وصفه بـ "العدوان الإسرائيلي ووحشيته".
ورداً على سؤال بشأن ما يتوقع أن تضيفه قمة الكويت تجاه قضايا المنطقة، يقول النزر إنّ التفكير بواقعية يفرض نفسه هنا، فـ "دول الخليج لا تملك عصا سحرية لحل قضايا المنطقة المعقدة والمتراكمة منذ عقود طويلة"، وإنها تتعامل مع دول المنطقة، ومجتمعاتها ككيانات مستقلة تمتلك قرارها وتتحمل مسؤولياتها، وهي "تدعم هذه الدول والمجتمعات بكل ما تستطيع".
ويصف الكاتب والباحث السعودي مبارك آل عاتي خلال حديث مع بي بي سي القمة بأنها "مفصلية، وواحدة من أهم القمم في تاريخ مجلس التعاون الخليجي".
ويرى آل عاتي أن القمة تكتسب أهميتها من الظروف في المنطقة، و"الظروف السياسية المتفجرة" في العالم، ونظراً إلى أنها ستعيد "توحيد وجهات النظر الخليجية حيال قضايا المنطقة والعالم، وسبل معالجتها".
ولطالما كان التعاون العسكري والأمني بين دول الخليج العربية ضمن الأولويات منذ اللحظة الأولى من تأسيس مجلس التعاون، واتُخِذت قرارات كثيرة في هذا السياق خلال عدد من القمم الخليجية السابقة.
وبنظرة تاريخية سريعة، يمكن استشفاف حجم الاهتمام بالعمل الدفاعي والأمني المشترك في جدول أعمال القمم السابقة.
ففي عام 1987، أُقرت الاستراتيجية الأمنية الشاملة لدول مجلس التعاون، وتمت المصادقة عليها في القمة الخليجية الثامنة بالرياض في العام ذاته. وتشكّل الاتفاقية إطاراً عامّاً للتعاون الأمني بين الدول الأعضاء في المجلس.
وأُجريت مراجعة للاستراتيجية الأمنية في 2007، واعتمدت الاستراتيجية المحدّثة في قمة مسقط سنة 2008، وتقرر تشكيل لجنة تجتمع سنوياً لمتابعة تنفيذها.
وفي عام 2000، وخلال قمة المنامة، وُقعت اتفاقية للدفاع المشترك لمجلس التعاون الخليجي؛ والتي حددت العديد من مرتكزات التعاون العسكري بين دول الخليج.
وبحسب منشورات الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، فإن الاتفاقية مثلت تحوّلاً من مرحلة التعاون العسكري التي دامت عقدين من الزمن، إلى مرحلة الدفاع المشترك بين دول مجلس التعاون.
وخلال القمة الخليجية الـ 30 في الكويت سنة 2009، أُقِرّت الاستراتيجية الدفاعية لمجلس التعاون، التي هدفت إلى "تنسيق وتعزيز تكامل وترابط دول الخليج وتطوير إمكانياتها للدفـاع" وفق الأمانة العامة.
ويتفق معظم المحللين الذين قابلناهم على أن الأوضاع في المنطقة تضع تحدّياً أمنياً في طريق دول الخليج، على الصعيد الداخلي أو الخارجي، وقد يطرق الهاجس الدفاعي والأمني باب غرف اجتماعات القادة في قمة الكويت المقبلة، وقد تُتخذ قرارات على غرار ما حدث في قمم سابقة.
المنطقة "تغلي". هذا هو الوصف الذي أطلقه المحلل السياسي الكويتي الدكتور عايد المناع خلال حديث مع بي بي سي، في إشارة إلى حالة التصعيد التي تعم المنطقة في أعقاب الحرب في غزة.
ويرى المناع أن تحدي الأمن الداخلي المتمثل في تنظيمات قد "تكون أصولية أو معادية للأنظمة الحالية" وتحدي الأمن الخارجي المتمثل في الأوضاع في المنطقة، هي تحديات ماثلة أمام دول مجلس التعاون الخليجي.
ويضيف المناع أنه يتحتم في هذا السياق التفكير فعلياً في إيجاد قوة خليجية يكون هدفها الواضح "حماية منطقة الخليج" على غرار قوات درع الجزيرة، لكن مع تهيئتها "كمّاً ونوعاً لحماية منطقة الخليج".
ويشير المناع هنا إلى قوات درع الجزيرة التي جرى التوافق على تشكيلها سنة 1982 خلال القمة الخليجية الثالثة في المنامة، وذلك في خضّم الحرب العراقية الإيرانية التي ألقت بظلالها على مياه الخليج وأمن الملاحة البحرية فيه، ومرت هذه القوة بمراحل عدة من التطوير.
ويرى الكاتب والباحث مبارك آل عاتي أن من أهم القضايا التي ستطرح لتوحيد الرؤى الخليجية بشأنها، التهديدات التي تتعرض لها دول مجلس التعاون الخليجي، ومسألة وحدة الأمن الخليجي، سواء الأمن الداخلي المتمثل "بالإرهاب ومواجهته في كل مكان"، أو الأزمات السياسية أو الاقتصادية المحيطة في دول المجلس.
في القمة الخليجية الـ 32 في الرياض سنة 2011، أعلن قادة دول مجلس التعاون الخليجي تبني اقتراح قدمه العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ينصّ على انتقال دول الخليج العربية من حالة التعاون الاستراتيجي إلى حالة الاتحاد في إطار كيان واحد. وتقرر تشكيل هيئة تتولى تقديم توصيات خاصة بذلك.
وفي قمة الرياض سنة 2015، رحب قادة دول الخليج بـ "رؤية" أطلقها العاهل السعودي الملك سلمان تتعلق بتعزيز العمل الخليجي المشترك، وكُلِّفت لجان وزارية بتنفيذ هذه الرؤية المتعلقة بـ "استكمال مقومات الوحدة الاقتصادية الخليجية والمنظومتين الدفاعية والأمنية المشتركتين"، و"تنسيق المواقف".
وأكدت بيانات القمم اللاحقة، أن "العمل مستمر" لتنفيذ مقترح الاتحاد ورؤية الملك سلمان. وعادة ما تتسم النقاط التي تتحدث عن هاتين المبادرتين في البيانات بصيغة رسمية مقتضبة، تتحدث عن الاستمرار في العمل على تنفيذهما، دون ذكر مدى التقدم المحرز.
وأُقرت الكثير من الاتفاقيات والأنظمة والتشريعات الموحدة بين دول الخليج، وليس آخرها التأشيرة السياحية الموحدة التي اعتُمدت في قمة الدوحة 2023، والتي يُتوقع أن تدخل حيز التنفيذ قريباً.
ويرى المحلل السياسي البحريني عبد الله الجنيد، الذي أجرت بي بي سي مقابلة معه، أن تجربة مجلس التعاون الخليجي حقّقت "الكثير من التراكمات النوعية" في هذا الشأن، وأن المجلس قادر على "تطوير التجربة إلى آفاق موازية لدعوات الاتحاد".
لكن الجنيد ركّز في حديثه على الجانب الاقتصادي للوحدة، وتحديداً مفهوم "المواطنة الخليجية اقتصادياً"، واعتبر أن هذا المفهوم هو "أحد أهم المحركات" نحو الاتحاد.
ويرجح الجنيد أن التركيز في القمة المقبلة سيكون منصبّاً على تعميق وتمكين هذا المفهوم عبر التشريع والقوانين، واستشهد في هذا السياق بقرار اتخذته الإمارات مؤخراً بـ "إعطاء مواطني دول مجلس التعاون نفس استحقاقات مواطنيها في ممارسات الأنشطة الاقتصادية".
ويقول الجنيد إن مسار المواطنة الخليجية اقتصادياً قد يعزز "تقاربات كبرى تقود نحو سوق خليجية واحدة"، مع اعتماد "محركات أخرى" مثل عملة رقمية واحدة تمهد لإطلاق عملة خليجية واحدة.
في حين، يرى المحلل السياسي عايد المناع أن الرؤى والمبادرات المتعلقة بالاتحاد "تراوح مكانها"، وأن الوصول إلى الاتحاد بين دول الخليج يحتاج إلى بعض الوقت، معللاً ذلك بأن "الدول الصغيرة تخشى من الذوبان في الدول الكبيرة".
ويقول المنّاع إن الأفق أمام دول الخليج يتمثل ....