وفي هذا السياق، تشير د. كريستين جافاراس، الأخصائية النفسية في مستشفى ماكلين بولاية ماساتشوستس والأستاذة المساعدة في كلية الطب بجامعة هارفارد، إلى أن هناك مفهوماً شائعاً خاطئاً مفاده أن الأكل تحت التوتر يعني الإفراط في الطعام. فربما لا نتناول فعلياً كميات أكبر كما نعتقد.
وتوضح جافاراس أن أغلب ما نعرفه عن الأكل العاطفي مستمد من الصور النمطية المنتشرة في المسلسلات والأفلام ومواقع التواصل الاجتماعي. أما الأبحاث العلمية المتوفرة فهي غالباً ما تعتمد على استطلاعات رأي تستند إلى الذاكرة الشخصية، وهو ما يجعل النتائج غير دقيقة، خاصة وأن إدراك الشخص لما يأكله يمكن أن يتأثر سلباً تحت الضغط النفسي.
وتضيف: "قد لا تأكل أكثر فعلياً، ولكنك تعتقد ذلك لأنك تشعر بأن الكمية كانت كبيرة". هذا المفهوم قدمته جافاراس في ندوة عبر الإنترنت نظّمتها مؤسسة "بحوث الدماغ والسلوك".
فعلى سبيل المثال، من السهل أن يتذكر الشخص لحظة الانفصال عن شريك وتناول كمية من الآيس كريم، ولكنه غالباً لا يتذكّر لحظات التوتر الأخرى، مثل ضغوط العمل التي قد تدفعه إلى الأكل أقل من المعتاد.
وتشير الدراسات إلى أن نحو 40% من الأشخاص يميلون إلى الأكل أكثر تحت الضغط، بينما 40% آخرون يقل تناولهم للطعام، و20% لا تتغيّر عاداتهم الغذائية.
عندما يتعرض الجسم لضغط مزمن، ترتفع مستويات هرمون الكورتيزول، ما يؤدي إلى تحفيز الشهية وزيادة احتمال تخزين الدهون، لا سيما في منطقة البطن، وفقاً للدكتور كريستوفر ماكجوان، أخصائي أمراض الجهاز الهضمي والسمنة ومدير مركز ترو يو وايت لوس (True You Weight Loss) في ولاية كارولاينا الشمالية.
ويضيف: "كما يؤدي التوتر إلى اضطراب النوم، مما يزيد من الشراهة ويُضعف الوظائف الأيضية".
وفي هذه الحالات، يلجأ كثيرون إلى الأطعمة السهلة الغنية بالدهون والسكريات، والتي تحفّز مركز المتعة في الدماغ لإفراز الدوبامين، مما يمنح شعوراً مؤقتاً بالراحة، يتبعه غالباً الإحساس بالذنب أو الندم.
ومع ذلك، فإن تلك الأطعمة قد لا تكون مريحة كما نعتقد. فقد أظهرت دراسة سابقة أن تناول الفواكه والخضروات بدلاً من الأطعمة غير الصحية لم يقلل من التوتر لدى المشاركات من النساء، مما يدل على أن التأثير النفسي للأكل قد يكون محدوداً.
وتشير خبيرة التغذية رايتشل غارغانو إلى أن الاستجابة العاطفية المتكررة للطعام تُعزّز الرابط بين المشاعر السلبية وأنواع معينة من الطعام، مما يجعل الأكل تحت الضغط عادة راسخة يصعب كسرها مع الوقت.
وتضيف: "الرغبة الشديدة غالباً ما تستمر من 20 إلى 30 دقيقة فقط، وإذا استطعت تجاوز هذه الفترة، فإن المشاعر تصبح أكثر قابلية للسيطرة".
ومن الضروري أن يفهم كل شخص المحفزات التي تدفعه إلى تناول الطعام، سواء كانت الوحدة في المنزل أو رؤية أو شم رائحة طعام مفضل. ولهذا السبب، توصي غارغانو بتدوين اللحظات التي تظهر فيها هذه الرغبة، ومحاولة التمييز بين الجوع الجسدي والجوع العاطفي.
وتشرح: "إذا مرّت أكثر من 3 إلى 4 ساعات على آخر وجبة، فقد يكون جسمك بحاجة إلى وجبة متوازنة. أما إذا لم تكن جائعاً فعلياً، فقد يكون التوتر هو السبب، وعليك تشتيت انتباهك".
وفي هذا الإطار، يؤكد الدكتور ماكجوان أن النشاط البدني القصير يمكن أن يُحدث فارقاً كبيراً، حيث يساعد في ضبط استجابة الجسم للتوتر، ويقلل من مستويات الكورتيزول، ويحسّن المزاج والنوم والصحة الأيضية بشكل عام.
أما بدائل الطعام تحت الضغط، فيمكن أن تشمل قراءة فصل من كتاب تحبه، أو المشي السريع، أو الجلوس في الهواء الطلق، أو ممارسة 15 دقيقة من اليوغا.
تشجّع غارغانو على تطوير ما تسميه "صندوق أدوات مضاد للرغبة"، والذي يمكن أن يتضمن ما يلي:
وتختم غارغانو بالقول: "كلما تمكّنت من مقاومة الرغبة دون الاستسلام لها، كلما بدأت بتدريب عقلك على عدم استخدام الطعام كحلّ فوري للمشاعر السلبية".
من جهتها، تقول الدكتورة جوانا ستينغلاس، مديرة الأبحاث في مركز اضطرابات الأكل بمستشفى نيويورك-بريسبتريان، إن استطلاعات الرأي تظل أداة مفيدة لفهم العلاقة بين الضغط النفسي واضطرابات الأكل، بما في ذلك إمكانية ارتفاع معدلاتها في أوقات التوتر.
وأخيراً، تؤكد د. جافاراس أن اللجوء إلى الأكل تحت التوتر من حين لآخر لا يستدعي القلق. وتقول: "دائماً أذكّر الناس بألا يزيدوا الضغط على أنفسهم. إذا مررت بيوم صعب وتناولت كمية أكبر من الطعام، فلا بأس، لا تجعل من ذلك عبئاً إضافياً عليك".