في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في تصعيد لافت لأزمة النفط في فنزويلا وجّهت الصين انتقادات حادة إلى الولايات المتحدة على خلفية احتجازها ناقلات نفط فنزويلية في المياه الدولية، معتبرة ذلك انتهاكا للقانون الدولي واعتداء على حرية الملاحة.
وأكدت بكين رفضها لما وصفته بـ"العقوبات الأحادية وغير القانونية" التي تفرضها الولايات المتحدة على فنزويلا، في وقت تشدد فيه واشنطن حصارها النفطي على حكومة الرئيس نيكولاس مادورو.
جاءت هذه التطورات بعد اعتراض خفر السواحل الأميركي عدة ناقلات تحمل النفط الفنزويلي خلال أيام قليلة، من بينها ناقلة النفط العملاقة "سنتشوريز"، وأخرى غيرها في محيط المياه القريبة من فنزويلا، ضمن سياسة أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب تقضي بمحاصرة جميع السفن الخاضعة للعقوبات التي تدخل فنزويلا أو تخرج منها.
ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن مسؤولين قولهم إنه إذا لم يقتنع مادورو بالرحيل فسيكون أمام الولايات المتحدة احتمالية تغيير النظام بالقوة، ونقلت الصحيفة عن البيت الأبيض أن الخيارات أمام ترامب بشأن فنزويلا لا تضيق، وأنه يحتفظ بجميع الاحتمالات.
ولا تقتصر تداعيات هذا التصعيد على فنزويلا وحدها، بل تمتد بثقلها إلى الصين، التي تُعد أكبر مستورد للنفط الفنزويلي، إذ يفرض تعطل الشحنات وتصاعد الأخطار الجيوسياسية تحديات متزايدة أمام أمن الطاقة الصيني، ويعيدان إلى الواجهة تساؤلات عميقة حول كلفة العقوبات الأميركية على سلاسل الإمداد العالمية، وعلى توازنات القوى في سوق الطاقة الدولي.
في هذا التقرير تسلط الجزيرة نت الضوء على الأبعاد المختلفة لهذه الأزمة، من خلال:
تُعد الصين أكبر مستورد للنفط الفنزويلي في العالم، إذ تجاوزت وارداتها 600 ألف برميل يوميا خلال شهر ديسمبر/كانون الأول الجاري، وهو ما يمثل نحو 4% من إجمالي واردات الصين من النفط الخام، وفق وكالة رويترز.
وفي عام 2024، بلغت واردات الصين من فنزويلا نحو 1.6 مليار دولار و شكّل النفط ومشتقاته (الوقود المعدني والزيوت ومنتجات التقطير) نحو 1.05 مليار دولار منها، وفقًا لقاعدة بيانات الأمم المتحدة للتجارة الدولية (COMTRADE).
وتشير منصة تريدنغ إيكونوميست (Trading Economics) إلى أن بيانات واردات الصين من فنزويلا، جرى تحديثها آخر مرة في ديسمبر/كانون الأول 2025.
نقلت رويترز عن تجار ومحللين بأن الشحنات التي كانت متجهة فعلا إلى الصين قبل قيام الولايات المتحدة باحتجاز ناقلات نفط قبالة السواحل الفنزويلية خلال الأيام الماضية، إلى جانب وفرة المخزونات وضعف الطلب المحلي، ستحد من التأثير قصير الأمد لهذه الخطوة على السوق الصينية.
ورغم أن الصين تُعد أكبر مستورد للنفط الفنزويلي، فإن وارداتها من هذا النفط لا تمثل سوى نحو 4% من إجمالي واردات الصين النفطية، مما يُقلل من حساسية السوق الصينية لأي اضطراب مؤقت في الإمدادات الفنزويلية.
ويشير التجار والمحللون إلى أن كميات النفط الفنزويلي المتجهة إلى الصين مرشحة للارتفاع خلال هذا الشهر والشهر المقبل، مدفوعة بموجة صادرات قوية على مدى الأشهر الأربعة الماضية، وأسهم ذلك في زيادة الخصومات على الخام الفنزويلي، الذي قد يستغرق وصوله إلى المصافي المستقلة في الصين، وهي المشتري الرئيسي له، ما يصل إلى 60 يوما.
في هذا السياق، قال المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة الاستشارات في مجال الطاقة إكس أناليستس، موكيش ساهديف إن تدفق النفط الفنزويلي إلى الصين تسارع تحسبا للعقوبات، متوقعا أن يبدأ الأثر الفعلي لاحتجاز الناقلات، وأي إجراءات إضافية محتملة بالظهور اعتبارا من فبراير/شباط المقبل.
تبدو الصين قادرة على تعويض أي نقص محتمل في الإمدادات الفنزويلية عبر مصادرها العديدة، إذ تعتمد بشكل رئيسي على دول كبرى منتجة للنفط مثل روسيا والسعودية لتلبية احتياجاتها من الخام.
ووفقًا لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، تستورد الصين النفط الخام من عشرات الدول، وتتصدر روسيا والسعودية والعراق وعُمان وماليزيا قائمة أكبر موردي النفط إلى الصين.
قبل أن تفرض واشنطن عقوبات شاملة على شركة النفط الحكومية الفنزويلية (PDVSA) عام 2019 -بعد أن كانت قد قيّدت وصولها إلى الأسواق المالية الأميركية منذ عام 2017- كانت الولايات المتحدة أكبر مستورد للنفط الفنزويلي.
وفي وقت كانت فيه شركات أميركية، وعلى رأسها شيفرون، شريكا أساسيا في عمليات الإنتاج داخل فنزويلا، تراجع الإنتاج والصادرات بسرعة، بفعل تشديد العقوبات مما أفسح المجال لتحوّل التدفقات النفطية باتجاه آسيا، وفي مقدمتها الصين.
وتُظهر بيانات منظمة الدول المصدرة للبترول ( أوبك) أن صادرات فنزويلا من النفط الخام هبطت إلى أقل من 500 ألف برميل يوميا في عام 2021، مواصلة مسار تراجع بدأ قبل العقوبات بسنوات.
وكان الإنتاج بلغ ذروته قرب مليوني برميل يوميا في عام 2015، قبل أن ينخفض بشكل مطرد نتيجة سوء الإدارة المزمن ونقص الاستثمارات، وفقا لمؤسسة البث الدولية الألمانية (دويتشه فيله).
وأسهم هذا التراجع، إلى جانب القيود الأميركية، في تعزيز اعتماد فنزويلا على السوق الصينية، مما منح بكين دورا أكبر في استيعاب الخام الفنزويلي، لكنه في الوقت نفسه جعل إمداداتها أكثر حساسية للتقلبات الجيوسياسية والعقوبات.
ولم يبدأ إنتاج النفط الفنزويلي في التعافي إلا اعتبارا من عام 2024، إذ ارتفعت الصادرات إلى نحو 655 ألف برميل يوميا في عام 2024، ثم صعدت إلى قرابة 921 ألف برميل يوميا في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الجاري 2025، ويعود هذا الانتعاش بالدرجة الأولى إلى تغير الموقف الأميركي، وليس إلى الصين وفقًا لتقرير دويتشه فيله.
وفي أعقاب بدء الحرب الروسية لأوكرانية عام 2022، خففت واشنطن بعض القيود المفروضة على فنزويلا، ومنح مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية شركة شيفرون تراخيص خاصة لاستئناف تصدير النفط من مشاريعها المشتركة في فنزويلا.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2025، حصلت الشركة على ترخيص جديد يتيح لها مواصلة الإنتاج هناك. وفي هذا السياق، قال فرانسيسكو جيه مونالدي، المتخصص في سياسات الطاقة في معهد بيكر للسياسات العامة في تصريحات لدويتشه فيله، إن الفضل الأكبر في تعافي إنتاج النفط الفنزويلي يعود إلى شركة شيفرون، التي باتت تمثل نحو ربع إجمالي إنتاج البلاد.
وكان الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو رحب بحماس بتجديد التراخيص الأميركية، وقال في حديثه على قناة تيليسور الحكومية في يوليو/تموز الماضي: "تتواجد شركة شيفرون في فنزويلا منذ 102 عام، وآمل أن تعمل الشركة هنا لمئة عام أخرى من دون مشاكل"، وفقا للمصدر السابق.
وفي الوقت الذي تواصل فيه شيفرون توسيع حضورها في قطاع النفط الفنزويلي، يظلّ الدور الصيني محصورا في مشاريع أصغر نسبيا، وتشير تقارير إلى أن شركة "تشاينا كونكورد ريسورسز" شرعت في تطوير حقلين نفطيين باستثمارات تُقدر بنحو مليار دولار بهدف رفع الإنتاج إلى 60 ألف برميل يوميا بحلول نهاية عام 2026.
في المقابل، تشير بيانات مركز سياسات التنمية العالمية إلى أن المقرضين التنمويين المدعومين من الدولة في بكين، ومن بينهم بنك التنمية الصيني وبنك التصدير والاستيراد الصيني أوقفوا عمليا تقديم قروض جديدة لكاراكاس منذ عام 2016، مما يعكس حذر الصين المتزايد في تمويل قطاع الطاقة الفنزويلي رغم استمرار شراكات محدودة في مجال الاستثمار المباشر.
وفي المجمل، تكشف أزمة النفط الفنزويلية أن تأثيرها على الصين، رغم ضجيجه السياسي، يبقى محدودا على المدى القصير بفضل تنوّع مصادر الإمداد ومرونة السوق الصينية، لكنه يظل مؤشرا مهما على هشاشة سلاسل الطاقة العالمية أمام العقوبات والصراعات الجيوسياسية.
فبينما تستفيد بكين من النفط الرخيص نسبيا الذي تحصل عليه من دول مثل روسيا وإيران وفنزويلا فإنها تدرك في الوقت ذاته أن الاعتماد على نفط خاضع للتجاذبات الدولية يحمل مخاطر إستراتيجية طويلة الأمد، مما يدفعها إلى تسريع تنويع مورديها وتعزيز أمنها الطاقي، في عالم بات النفط فيه أداة نفوذ سياسي بقدر ما هو سلعة اقتصادية.
المصدر:
الجزيرة