بدأت تركيا منذ عام 2017 التخطيط للتحول إلى مركز إقليمي للنقل الجديد، عبر إطلاق مشروع وطني يهدف إلى تحقيق هذا التحول، وجاء الإعلان عن تحالف 5 شركات تركية لإنتاج أول سيارة محلية تجسيدا عمليا لهذه الرؤية.
وقد اتسمت الإستراتيجية التركية بنظرة مستقبلية واضحة، إذ لم تتجه المبادرة نحو إنتاج سيارة تعمل بوسائل الطاقة التقليدية، ولم تعتمد على مصانع التجميع المحلية للعلامات التجارية العالمية، بل ركزت على تكنولوجيا المستقبل عبر إنتاج السيارات الكهربائية.
منذ الكشف عن النموذج الأولي في ديسمبر/كانون الأول 2019، ثم وضع حجر الأساس لمصنعها وافتتاحه في أكتوبر/تشرين الأول 2022، شكّلت سيارة "توغ" حجر الزاوية في المشروع التركي للتحول إلى مركز إقليمي للنقل الحديث ودخول سوق السيارات الكهربائية الصاعد من خلال نموذج محلي منافس.
ويرى الخبير الاقتصادي التركي يوسف دينج أن تركيا، رغم كونها دولة محورية في سوق السيارات العالمي، فلم تستفد طويلا من هذا الموقع في بناء علامتها التجارية الخاصة، بيد أن التوجه نحو تطوير البنية التحتية كخيار إستراتيجي وتهيئة البيئة الاستثمارية اللازمة لامتلاك علامة وطنية، مهّد الطريق لظهور "توغ" كسيارة كهربائية محلية الصنع تمثل ثمرة هذا الجهد الطويل.
الحلم التركي لم يبق محليا، بل بدأ يشق طريقه نحو الخارج. فحسب وزير الصناعة التركي محمد فاتح كاجر، أثبتت جودة إنتاج "توغ" جدارتها بالحصول على تقييم 5 نجوم من برنامج تقييم السيارات الأوروبي، مع مستويات أمان مرتفعة. كما أعلن الوزير، عبر منشور على منصة "إن سوسيال" التركية، عن طرح الطراز الجديد "تي 10 إف" للبيع في ألمانيا بدءا من نهاية سبتمبر/أيلول الماضي.
هذا الإعلان مثّل نجاحا تسويقيا للسيارة التركية في السوق الأوروبية. فقد عبّر فؤاد طوصيالي، رئيس مجلس إدارة "توغ"، خلال مراسم تسليم الطراز الجديد في قصر "دولمه باهتشه"، عن فخره بوصول السيارة إلى مستوى جديد من التوسع والتسويق الأوروبي، مؤكدا أنهم سينتقلون من السوق الألمانية إلى أسواق أوروبية أخرى قريبا.
وقد انعكست هذه النجاحات على أرقام المبيعات، إذ تجاوز إجمالي ما تم بيعه من سيارات "توغ" أكثر من 73 ألف وحدة، في حين سجلت الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري مبيعات تجاوزت 23 ألف سيارة.
يعتبر يوسف دينج أن العامل الأكثر جوهرية في نمو قطاع السيارات الكهربائية في تركيا هو اعتماد اللاعبين الجدد في هذا السوق الصاعد على تحقيق التنافس السعري من خلال الابتكار والتكنولوجيا.
كما أشار إلى أن التوسع العمراني جعل امتلاك السيارة عبئا على المستخدمين، مما دفعهم إلى البحث عن بدائل أقل كلفة في التشغيل، وهو ما وفرته السيارات الكهربائية.
وحسب بيانات معهد الإحصاء التركي، شكّلت السيارات الكهربائية نسبة 17.2% من إجمالي السيارات التي تم نقل ملكيتها خلال سبتمبر/أيلول، من أصل 789 ألف سيارة.
كما أظهرت بيانات جمعية موزعي السيارات التركية أن إجمالي مبيعات السيارات الكهربائية المسجلة منذ بداية العام وحتى نهاية سبتمبر بلغ 133 ألفا و781 سيارة، أي ما نسبته 17.8% من إجمالي مبيعات السيارات الجديدة في البلاد.
وارتفع عدد السيارات الكهربائية المسجلة في تركيا بأكثر من 120% ليصل إلى نحو 290 ألف سيارة حتى نهاية يوليو/تموز الماضي، مقارنة بـ131.3 ألف سيارة في الشهر نفسه من عام 2024، وفق معهد الإحصاء التركي.
وتبيّن هذه الأرقام قفزة نوعية إذا ما تمت مقارنتها بعام 2015، حين لم يتجاوز عدد السيارات الكهربائية المسجلة في تركيا 565 سيارة فقط.
إلى جانب رواج السيارة المحلية "توغ" في السوق التركية، كان لتوسع البنية التحتية الخاصة بالسيارات الكهربائية وزيادة أعداد محطات الشحن دور أساسي في تعزيز ثقة المستخدمين بهذه التقنية، مما أسهم في انتشارها محليا.
كما ساهم التحول في تفضيلات المستهلكين نحو التكنولوجيا الصديقة للبيئة في تعزيز هذا الاتجاه.
ووفقا لبيانات هيئة تنظيم سوق الطاقة التركية، تم تنفيذ أكثر من 2.3 مليون عملية شحن عبر نحو 36 ألف منفذ منتشرة في مختلف أنحاء البلاد.
ونتيجة للزيادة الكبيرة في الاستثمارات، تضاعف عدد مقابس الشحن 3 مرات خلال العام الماضي، حيث بلغ عددها مطلع عام 2024 نحو 13 ألف مقبس، ثم ارتفع مطلع العام الجاري إلى 26.5 ألفا، ليصل إلى حوالي 36 ألف مقبس في أحدث الإحصاءات الصادرة في أكتوبر/تشرين الأول.
وتقدم هذه المحطات حلول شحن متنوعة تشمل الشحن السريع "دي سي"، الذي بلغ عدد نقاطه نحو 18.8 ألف محطة، والشحن البطيء الذي بلغ 13.6 ألف محطة، في حين وصل عدد محطات الشحن بالطاقة المتجددة إلى نحو 16.2 ألف محطة.
وقد استحوذت إسطنبول وأنقرة وإزمير، إلى جانب بورصة وأنطاليا، على أكثر من نصف إجمالي الاستهلاك الوطني للطاقة المخصصة للشحن.
ولتسهيل الوصول إلى المحطات، طورت هيئة تنظيم سوق الطاقة تطبيقا ذكيا يتيح للمستخدمين معرفة مواقع وحدات الشحن ومستوى الطاقة فيها، مع عرض الأسعار وطرق الدفع وحالة الإشغال في مختلف المناطق.
قدمت الحكومة التركية مجموعة من الحوافز القوية لمستخدمي السيارات الكهربائية مقارنة بالسيارات الكلاسيكية. فقد خُفّضت ضريبة الاستهلاك الخاصة بنحو 20%، كما تم تقليص الضريبة المضافة إلى ما بين 1% و8%، مقارنة بنسبة تصل إلى 18% في السيارات التقليدية.
أما ضريبة المركبات السنوية، فقد انخفضت بما يصل إلى 25% مقارنة بالمركبات التي تعمل بالوقود التقليدي.
وإلى جانب الإعفاءات الضريبية، قدّم برنامج وزارة الصناعة والتكنولوجيا منحا لدعم إنشاء محطات شحن جديدة في مواقع محددة، مما أدى إلى زيادة قياسية في عدد المحطات.
كما ألزمت وزارة البيئة المباني السكنية ومراكز التسوق وأماكن العمل الكبرى مثل المستشفيات بتوفير وحدات شحن للسيارات الكهربائية في مواقفها الخاصة.
يشير يوسف دينج إلى أن الحضور الكثيف للدراجات النارية في السوق التركية، مع التحولات المستمرة في الهيكل الاجتماعي وصعوبات التوسع الحضري، يجب أن يدفع نحو التفكير في توطين صناعة الدراجات الكهربائية محليا.
ويؤكد أن هذا السوق يشهد تضاعفا سنويا مستمرا، وما زال بحاجة إلى دخول لاعبين كبار. ويرى دينج أن "توغ" يمكن أن تجد في سوق الدراجات الكهربائية فرصا أكبر بكثير من تلك التي وجدتها في سوق السيارات الكهربائية.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة