آخر الأخبار

لماذا لا يزال الفدرالي الأميركي يتحكم بالأموال العراقية؟

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

بغداد- يشهد العراق ضغوطا أميركية متزايدة تتعلق بجملة من المطالب التي تعتبرها واشنطن أساسية، في مقدمتها ملف الفصائل المسلحة المرتبطة ب هيئة الحشد الشعبي . وقد برزت هذه الضغوط بشكل لافت مؤخرا حين امتنعت شركة "كي كارد" عن صرف رواتب منتسبي الحشد الشعبي، وسط تأكيد نواب عراقيين على أن السبب يعود لضغوط أميركية مورست على الحكومة العراقية. كما تتواتر التقديرات حول نية واشنطن تقنين تدفق الدولار إلى العراق للحدّ من تهريبه.

وفيما تدور المفاوضات بين بغداد وواشنطن حول هذه الملفات، يرى مراقبون أن الولايات المتحدة لا تزال تمسك بإحدى أقوى أوراق الضغط على العراق: التحكم بوارداته المالية المتأتية من صادرات النفط عبر الاحتفاظ بها في حسابات البنك الفدرالي الأميركي منذ عام 2003.

فلماذا لا تزال بغداد خاضعة لهذا الترتيب المالي رغم مرور عقدين على الغزو؟ ولماذا لا تستطيع استلام عائداتها النفطية بشكل مباشر كما تفعل باقي الدول المنتجة؟ ولماذا لم تنجح الحكومات المتعاقبة في التحرر من الهيمنة المالية الأميركية؟

خلفية تاريخية للهيمنة المالية

في مايو/أيار 2003، أصدر مجلس الأمن القرار رقم 1483 الذي قضى بإيداع الإيرادات المتأتية من صادرات العراق من النفط والغاز في حساب خاص لدى الفدرالي الأميركي تحت اسم "صندوق تنمية العراق".

مصدر الصورة الولايات المتحدة تواصل التحكم بعائدات النفط العراقي منذ عام 2003 عبر البنك الفدرالي الأميركي (غيتي)

وقد خُصص جزء من هذه الإيرادات -بنسبة 5% من مجمل الصادرات النفطية والغازية- لتعويض الكويت عن أضرار غزو 1990، وهو ما استمر حتى عام 2022 حين أكمل العراق سداد تعويضاته التي بلغت نحو 52.4 مليار دولار.

وبحسب الدكتور مظهر محمد صالح، المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء العراقي، فإن بقية الأموال كانت تُحوّل إلى حساب البنك المركزي العراقي، الذي يتولى تمويل الحكومة ووزارة المالية بالسيولة، باعتبار أن الدينار العراقي مسعّر بالدولار.

إعلان

ويضيف صالح، في تصريح خاص لـ"الجزيرة نت"، أن الأمم المتحدة كانت قد أمنت حماية قانونية لهذه الأموال بموجب القرار 1483، إلى أن انتهى العمل بها عام 2011، عقب تنفيذ قرار مجلس الأمن 1956. بالتوازي، أصدر الرئيس الأميركي قرارا تنفيذيا رقم 13303 لحماية الأموال العراقية، وهو قرار لا يزال ساريا حتى اليوم رغم بعض التعديلات.

وتتمثل أهداف الحماية الأميركية للأموال العراقية -بحسب صالح- في ضمان إعادة إعمار العراق، وتحصين أمواله من مطالبات تعويضية من شركات وأفراد، إضافة إلى تجنب الحجز القضائي على الأموال العراقية في قضايا مرفوعة منذ التسعينيات.

الضغوط الأميركية الحالية

يرى خبراء أن العراق، رغم انتهاء العديد من الأسباب القانونية التي فرضت هذا الترتيب المالي، لا يزال خاضعا لمراقبة مالية مشددة من واشنطن، تختلف عن الإجراءات المعتادة في النظام المصرفي الدولي.

ويوضح الدكتور عبد الرحمن المشهداني، أستاذ الاقتصاد في الجامعة العراقية ببغداد، أن العراق يواجه تشديدات غير مسبوقة في عمليات التدقيق المالي، وذلك بسبب المخاوف الأميركية من غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتهريب الدولار، لا سيما أن بغداد لم تكن ملتزمة بضوابط المراقبة المالية خلال السنوات الماضية.

ويؤكد المشهداني أن هذا التدقيق أدى إلى تراجع كبير في عمليات غسل الأموال خلال الأشهر الأخيرة، مستشهدا بواقعة "سرقة القرن" عام 2022 التي تم خلالها تهريب أكثر من 2.5 مليار دولار، 70% منها جرت عبر المصارف العراقية.

من جانبه، يشير عضو اللجنة المالية النيابية جمال كوجر إلى أن غالبية الدول النفطية تودع أموالها في الفدرالي الأميركي كون النفط يُباع بالدولار، لكن العراق يعاني من تبعية كاملة لعائدات النفط دون وجود موارد بديلة معتبرة.

ويؤكد كوجر أن الضغوط الأميركية لا تُمارس دائما بشكل مباشر، لكنها تتركز على ملفين:


* استخدام السلاح الأميركي خارج سلطة الدولة.
* تهريب الدولار إلى جهات معادية للولايات المتحدة.

وفي السياق نفسه، يوضح المشهداني أن العراق لا يتمتع بنفس أريحية الدول الأخرى في التصرف بإيراداته، ويعاني من عجز في الميزان التجاري لمصلحته، إضافة إلى قيود على استخدام عملات أخرى أو نظام تبادل متكافئ مع الدول، ما يضعف قدرته على الاستقلال المالي.

ويحذر المشهداني من أن فرض عقوبات اقتصادية أميركية على العراق ليس مستبعدا، مشيرا إلى أن 32 مصرفا عراقيا تخضع لعقوبات أميركية حتى الآن، ولم تتمكن بغداد من رفع أي منها رغم مرور سنوات.

أصوات عراقية

ويرى الباحث في الشأن الاقتصادي أنمار العبيدي أن المشكلة ليست في إيداع الأموال لدى الفدرالي الأميركي، بل في القيود المفروضة على إمكانية التصرف بها بحرية، على عكس ما تتمتع به الدول الأخرى.

ويقول العبيدي إن الهشاشة السياسية في العراق، واستمرار عدم الاستقرار، منعا الحكومات المتعاقبة من تسوية ملف التعويضات العالقة، مشددا على أن معالجة هذا الملف ستمكّن العراق من التحرر المالي تدريجيا.

ويشير العبيدي إلى أن إجراءات الحكومة في مكافحة غسل الأموال وتهريب العملة حققت تحسنا ملحوظا خلال العامين الماضيين، إلا أن البلاد لا تزال بحاجة إلى إصلاحات مصرفية وأتمتة شاملة لأنظمتها لتعزيز الثقة الدولية.

إعلان

من جانبه، يرى المستشار الاقتصادي مظهر محمد صالح أن التخلص من الرقابة الأميركية ممكن مستقبلا، لكنه يتطلب إجراءات سياسية واقتصادية متدرجة، تبدأ باستعادة الثقة الدولية.

مصدر الصورة المستشار الاقتصادي مظهر محمد صالح يؤكد أن الحسابات المصرفية العراقية في الولايات المتحدة بعد الغزو مرت بمراحل عديدة بدأت منذ عام 2003 (الجزيرة)

ويتفق معه المحلل الاقتصادي سامان شالي، الذي يعتقد أن إنهاء الوصاية الأميركية يحتاج إلى قرار سياسي شجاع من مختلف الكتل، بالإضافة إلى العمل على ترشيد الإنفاق وتسوية الديون المتعلقة بتعويضات الشركات الدولية.

ويقترح شالي الاستعانة بمكاتب محاماة دولية للتفاوض مع هذه الشركات، على غرار ما حدث في ملف تعويضات الكويت، مؤكدا أن العملية -رغم صعوبتها- ستمهّد الطريق أمام العراق لاستعادة سيادته المالية.

خيارات التحرر والاستقلال المالي

يرى اقتصاديون أن تحرير العراق من قبضة الفدرالي الأميركي يتطلب خطة متكاملة تشمل:


* إصلاح النظام المصرفي العراقي بالكامل
* أتمتة الإجراءات المالية والحسابية
* الحد من الفساد في المؤسسات المالية
* تسوية المطالبات التعويضية عبر أدوات قانونية دولية
* تنويع مصادر الدخل بعيدا عن النفط

ويعتقد المحللون أن استمرار الاعتماد على النظام المالي الأميركي دون إصلاحات جذرية سيبقي العراق رهينة لأجندات خارجية تقيد قدرته على الحركة.

نحو استقلال مالي مشروط بالإرادة السياسية

رغم انتهاء أغلب القيود القانونية التي فرضها المجتمع الدولي على أموال العراق بعد 2003، فإن البلاد لا تزال تخضع لرقابة مالية مشددة من الولايات المتحدة، ما يعكس هشاشة البنية الاقتصادية والسياسية العراقية.

ويرى خبراء أن الفرصة لا تزال سانحة للتحرر من هذه الهيمنة، لكن الأمر مرهون بإرادة سياسية موحدة، ورؤية اقتصادية صارمة تعيد بناء الثقة الدولية في الجهاز المالي العراقي.

ويبقى السؤال مطروحا: هل تملك الحكومة العراقية الإرادة والقدرة على انتزاع سيادتها المالية، أم أن النفوذ الأميركي سيبقى يتحكم في شريان اقتصاد البلاد لعقود مقبلة؟

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار