في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
تتصدر الولايات المتحدة والصين المشهد الدولي هذه الأيام، إذ يسهمان معا بنحو 40% من الناتج الاقتصادي العالمي، وفي ظل تحولات المشهد التجاري والسياسي الراهن، يبرز سباق الأداء بين الاقتصادين كواحد من أكثر الملفات أهمية للمراقبين والمستثمرين وصنّاع القرار.
وكلا الاقتصادين يواجه تحديات متصاعدة، فبينما تؤجج عودة دونالد ترامب الخلافات التجارية وتزيد من حدة السياسات الحمائية، تتجه الصين إلى تعزيز استقرار نموها عبر ضخ استثمارات إستراتيجية موجّهة نحو القطاعات الصناعية الحيوية.
وفي عالم سريع التغير، تبقى قراءة المشهد الاقتصادي بين القوتين العظميين أمرا حاسما لفهم مستقبل التجارة العالمية، والاستثمار، والسياسات الاقتصادية خلال العقد المقبل.
تستعرض الجزيرة نت في هذا التقرير الفروق الأساسية بين الاقتصاد الصيني القائم على التصنيع والاقتصاد الأميركي القائم على الاستهلاك والخدمات، آخذين بعين الاعتبار مستوى دخل الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، وحجم الاستثمار الخارجي، وحجم إنفاق المستهلكين والتوظيف والتضخم الاقتصادي وغيرها من المؤشرات.
هذا من حيث القيمة الاسمية أو أسعار الصرف الحالية فقط، لكن الأمر ينعكس تماما من حيث تعادل القوة الشرائية (المقياس الأكثر واقعية لمقارنة الناتج المحلي الإجمالي في مختلف البلدان الذي يوصي به صندوق النقد الدولي )، إذ تتصدر الصين قائمة الدول من حيث تعادل القوة الشرائية منذ عام 2016.
ويبلغ اقتصاد الصين 1.27 ضعف اقتصاد الولايات المتحدة على أساس تعادل القوة الشرائية، وفقا لبيانات البنك الدولي .
وحسب منصة "وورلد إيكونوميكس"، لم تعد الولايات المتحدة المحرك الأساسي للنمو العالمي، فقد أدى النمو الاقتصادي الاستثنائي للصين على مدى العقود الأربعة الماضية، بمعدل متوسط يبلغ 4 أضعاف معدل الولايات المتحدة، إلى تغيير جذري في ميزان القوى في العالم.
يكمن التمييز الرئيسي بين الاقتصادين في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، والذي يعكس توزيع الدخل والإنتاجية الاقتصادية لكل فرد.
وتسلط هذه الفجوة الضوء على التحول الهيكلي الجاري في الاقتصاد الصيني مع تحوله من التصنيع الذي يقوده التصدير إلى النمو المدفوع بالاستهلاك المحلي، ففي حين أحرزت الصين تقدما في زيادة مستويات الدخل، فإنها لا تزال متأخرة عن الولايات المتحدة في مقدار ثروة الأسرة والخدمات الاجتماعية.
ويقول مدير إستراتيجية الاستثمار الأول في إدارة أصول بنك يو إس، روب هاورث: "تسعى الصين إلى تحفيز نموٍّ يقوده المستهلكون بدلا من الاستثمار، لكن نجاحها محدود حتى الآن.. مع أن الصين لا تُقلّل من أهمية نشاطها التصديري، إلا أن توسيع الطلب الداخلي يُمثّل التحدي الأكبر الذي تواجهه".
وعلى الصعيد العالمي، تتجلى قوة الصين في قطاع التصنيع بشكل أوضح، ففي عام 2024، ساهمت الصين بنحو 30% من القيمة المضافة للصناعات التحويلية العالمية، محافظة على مكانتها كأكبر قوة صناعية في العالم لمدة 15 عاما متتالية.
وتؤكد هذه المساهمة الدور المحوري للقطاع في سلاسل التوريد العالمية، إذ يؤثر على كل شيء من الإلكترونيات الاستهلاكية إلى الآلات الثقيلة، وفقا للمصدر السابق.
في عام 2024، تمسكت الولايات المتحدة بمكانتها كوجهة رائدة للاستثمار الأجنبي المباشر، إذ اجتذبت قطاعات مثل التكنولوجيا والتمويل والطاقة المتجددة رؤوس أموال أجنبية كبيرة.
وعزز التعافي الاقتصادي الأميركي القوي بعد جائحة كورونا (كوفيد-19)، والطلب المتزايد على الاستثمارات الآمنة، هيمنة الولايات المتحدة على التدفقات المالية العالمية، كما اجتذبت المبادرات الرئيسية في البنية التحتية والطاقة النظيفة وتكنولوجيا أشباه الموصلات في عهد إدارة جو بايدن استثمارات أجنبية مباشرة كبيرة، لا سيما من حلفاء مثل كندا واليابان وكوريا الجنوبية وبريطانيا.
ووصل حجم الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 5.4 تريليونات دولار بنهاية عام 2023، مما يؤكد مكانة الولايات المتحدة كوجهة استثمارية عالمية رائدة.
في الوقت نفسه، لطالما كانت الصين متلقيا رئيسيا للاستثمار الأجنبي المباشر، لكنها واجهت تباطؤا في عام 2024، بسبب المخاوف بشأن عدم القدرة على التنبؤ باللوائح التنظيمية، وتباطؤ قطاع العقارات، والتوترات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين، وعلى الرغم من ذلك، لا تزال الصين واحدة من أكبر متلقي الاستثمار الأجنبي المباشر في العالم، مستفيدة من سوق عملها الواسع، ونمو الطبقة المتوسطة، وتوسع صناعاتها التكنولوجية المتقدمة.
كان إنفاق المستهلكين محركا رئيسيا للأداء الاقتصادي في كلا البلدين، إذ حافظت مبيعات التجزئة الأميركية على نمو قوي طوال عام 2024، ويستفيد الاقتصاد الأميركي من نموذج يعتمد على المستهلك.
أما في الصين:
ومع ذلك، فقد أضعفت حالة عدم اليقين الاقتصادي ثقة المستهلك، مما حدّ من الإمكانات الكاملة للإنفاق المحلي. ورغم هذه التحديات، حددت الحكومة الصينية هدفا طموحا لنمو الناتج المحلي الإجمالي يبلغ حوالي 5% لعام 2025، مؤكدة التزامها بتحفيز الاستهلاك وضمان الاستقرار الاقتصادي وفقا لمنصة تشاينا بريفنغ.
تباينت اتجاهات التضخم بين البلدين في عام 2024:
من ناحية أخرى:
ويتضح أن كلا من الولايات المتحدة والصين يواصلان تشكيل ملامح الاقتصاد العالمي من خلال تنافسهما الشرس والمستمر، وبينما تحافظ الولايات المتحدة على قوة استهلاكية راسخة ونظام مالي متين، تسعى الصين لتعزيز مكانتها عبر الابتكار الصناعي وتسريع وتيرة التنمية.
ورغم التحديات التي تواجه كلا البلدين، من تباطؤ النمو إلى التوترات الجيوسياسية، فإن ديناميكية المنافسة بينهما تخلق فرصا وتحولات عميقة تؤثر على الأسواق العالمية بأسرها.
وفي عالم لا يعرف الثبات، سيبقى صراع العمالقة بين أميركا والصين عاملا حاسما في رسم مستقبل الاقتصاد العالمي، ومحددا رئيسيا للاتجاهات الكبرى في مجالات الاستثمار، والابتكار، والتجارة الدولية.