يشهد العراق تحولا مهما في إستراتيجيته الاقتصادية، إذ تتجه الحكومة إلى تنويع مصادر الدخل وتعزيز القطاعات غير النفطية، حيث ظهر مشروع توطين المعادن الثمينة ضمن أبرز المشاريع في هذا الطريق.
وقرر المجلس التنسيقي الصناعي في 16 فبراير/شباط الحالي توطين صناعة المعادن الثمينة، من ذهب ومجوهرات، بالإضافة إلى المنتجات التجميلية، مع التوجه نحو تقديم جميع التسهيلات اللازمة للراغبين في إقامة المصانع الخاصة بها.
ويحتل العراق المركز 28 عالميا والرابع عربيا -بعد السعودية ولبنان والجزائر- في تصنيف الدول الأعلى في احتياطات الذهب في العالم، حسب المجلس العالمي للذهب.
ووفقا لآخر جدول نشره المجلس، فإن "العراق رفع حيازته من الذهب إلى 162.7 طنا، مما يمثل 12.7% من إجمالي احتياطاته الأخرى".
كما حلّ البنك المركزي العراقي بالمركز الأول عربيا والسابع عالميا على قائمة البنوك المركزية الأكثر شراء للذهب عام 2024، حسب بيانات مجلس الذهب العالمي.
وبلغ حجم مشتريات العراق من الذهب نحو 20 طنا.
وأكد عبد الحسن الزيادي، عضو مجلس اتحاد رجال الأعمال العراقي أن خطط الحكومة الجديدة في المجال الصناعي، خاصة توجهها نحو توطين المعادن الثمينة، ستمثل نقلة نوعية للعراق، وستجعله يحقق قفزات على المستوى العالمي في مجال الاستثمار.
وقال الزيادي -في حديث للجزيرة نت- إن مشروع توطين المواد الثمينة أو النادرة، أو صناعة المعادن النادرة، من المشاريع الناجحة في العراق، لأن أرض العراق تحتوي على المواد الأولية الكافية والفائضة عن الحاجة للانطلاق بمثل هذه المشاريع.
وأشار إلى أن العراق يمتلك موارد نادرة ونفيسة، وهو من البقع الجيدة والمثمرة بالنسبة لمعدن الذهب، ومشاريع أخرى مثل الفوسفات، والمعادن الثمينة الأخرى، خاصة في محافظة الأنبار.
وأوضح الزيادي أن العراق بدأ يفكر في استخدام هذه الثروات، ودعم مشروع التوطين لتطويره والاستفادة منه، مؤكدا أن الحكومة الحالية لديها استعداد للعمل وتطوير عمل مؤسساتها، وتوجهه نحو الاستثمار وتشجيع الاستثمارات.
وأشار إلى أن العراق بدأ يفكر في بناء مؤسسات اقتصادية ذات منفعة جيدة، كما بدأ يفكر في المعادن النفيسة التي من الممكن أن يستغلها لتطوير اقتصاده.
ويعد العراق بلدا غنيا بثرواته المعدنية المتنوعة، حيث تنتشر هذه الثروات في مختلف محافظاته، وتعد محافظة الأنبار أغنى المحافظات في هذا المجال.
وللحديث عن مدى تأثير القرار على السوق، رأى الخبير الاقتصادي صلاح نوري أنه من المبكر تحديد مستوى الأسعار والجودة لصناعة الذهب والمجوهرات، لأن قرار مجلس الوزراء لم يبدأ تنفيذه بعد.
وأوضح نوري في حديث للجزيرة نت أن استيراد الذهب والمعادن الثمينة يشكل نسبة عالية من إجمالي الواردات، ومن ثم فإن هذا القرار سيساهم في تقليل خروج العملة الأجنبية (الدولار) من البلاد، مشيرا إلى أنه تم تكليف وزارة التجارة بتسهيل استيراد المواد الخام لأغراض التصنيع بالتنسيق مع البنك المركزي.
وأضاف أن تصنيع الذهب والمجوهرات داخل العراق من المفترض أن يجعل أسعارها محليا أقل من سعر استيرادها، محذرا من أن هذه الصناعة قد تواجه مخاطر تقلبات أسعار الذهب العالمية، التي قد تؤثر بدورها على استقرار السوق المحلي.
المستشار الحكومي علاء الفهد، أكد أن تنشيط قطاع توطين المعادن الثمينة سيكون له دور فعال في إخراج العراق من الاعتماد الكلي على النفط كمصدر رئيسي لواردات الموازنة.
وقال الفهد -في حديثه للجزيرة نت- إن العراق يمتلك اليوم القدرة على تنويع مصادر دخله من خلال توطين صناعة المعادن الثمينة، الأمر الذي سينعكس إيجابا على الاقتصاد العراقي عبر تنويع الإيرادات وتنشيط هذه الصناعة الحيوية، مشيرا إلى أن العراق يمتلك احتياطات كبيرة من الذهب يمكن استغلالها في التصنيع المحلي بدلا من استيراد المصوغات الذهبية جاهزة من الخارج.
وأوضح الفهد أن الأراضي العراقية تزخر بعديد من المعادن النفيسة غير المكتشفة، وأن هذه الاكتشافات المحتملة ستساهم بشكل مباشر في زيادة الاحتياطات وتنويع الاقتصاد، مؤكدا أن ذلك يتطلب إجراء دراسات للجدوى الاقتصادية لتحديد مدى تأثير هذه المعادن وتنشيط الصناعة.
وشدد على أن الأمر لا يقتصر على امتلاك هذه المعادن، بل يتطلب وضع خطط واقعية لتنشيط هذه الصناعات وتنمية الاقتصاد، مؤكدا أن الاهتمام بهذه الصناعات وتوطينها في العراق، بالإضافة إلى تقديم التسهيلات وجذب الاستثمارات الأجنبية، سيكون له تأثير مباشر على الاقتصاد العراقي.
وأشار الفهد إلى أن ذلك يتطلب قرارا حكوميا، وأن هذا القرار متوفر اليوم، وهو بمنزلة رسالة لجذب الاستثمارات التنموية في هذا المجال لتنشيط الصناعة التعدينية في العراق، خاصة أن هناك أرضية وامتلاكا لهذه الثروات الطبيعية التي يمكن استغلالها لتقوية الاقتصاد.
وبيّن أن دعم الموازنة من خلال تنشيط هذا القطاع أمر حتمي، إذ إن أي صناعة ستساهم في رفع القدرات الإنتاجية وزيادة الإنتاج، مما يؤدي إلى تنمية وتنشيط الصناعة، مشيرا إلى أن العراق بحاجة إلى هذه الصناعات التحويلية التي تستغل البنية التحتية المتوفرة للمعادن.
وأوضح الفهد أن جميع الفرص متاحة اليوم للاستثمار في هذا المجال، وأن الاستثمار في هذا القطاع لا يقل أهمية عن الاستثمار في أي قطاعات أخرى تساهم في تنمية الاقتصاد ودعم الموازنة، خاصة في ظل تقلبات أسعار النفط، مشددا على ضرورة البحث عن مصادر بديلة للدخل وتنشيط قطاعات الصناعة والزراعة والسياحة.
وأكد الفهد أن هذه القطاعات يمكن أن تساهم بشكل فعال في تحقيق إيرادات وتنويع الاقتصاد، مبينا أن العراق يجب أن يحذو حذو الدول العربية والخليجية التي خرجت من عباءة الاعتماد على النفط، وبدأت في تنشيط صناعات أخرى وتنمية ثرواتها الطبيعية.