آخر الأخبار

المغرب.. الترويج لأدوية ومكملات غذائية تهدد الصحة والحياة!

شارك
تلجأ فتيات ونساء في المغرب إلى تناول أدوية بدون استشارة طبية مسبقة لأجل زيادة الوزن ما يسبب مشاكل صحية خطيرة قد تودي بالحياةصورة من: Daniel Modjesch/dpa/picture alliance

"بشرى.. الله يرحمها" بهذه العبارة أجابت والدتها على رسالة صوتية، أرسلتها لها ظناً مني أن بشرى سترد على رسالتي. منذ فترة ليست ببعيدة، ظهرت بشرى بعدة مقابلات أجرتها معها منابر إعلامية مغربية. في كل مقابلة لها، كانت تروي قصة معاناتها وتضع لها عنوان "قصة للعبرة". مثلها مثل الكثير من بنات جيلها، كانت لها أحلام وطموحات كبيرة. درست وعملت في عدة وظائف قبل أن تتزوج وتصبح ربة منزل وأماً. دفعها هاجس النحافة، دفعها إلى الانجراف مع تيار الفتيات اللاتي يلجأن إلى تناول أدوية مضادة للاكتئاب أو للحساسية بغرض زيادة الوزن والحصول على جسم ممتلئ.

تناولت بشرى أيضاً هذه الأدوية على مدار سنوات، لكن عندما لاحظت أنها بدأت تؤثر على صحتها حاولت التوقف عن تناولها، غير أنها أصيبت بتحسس جلدي خطير وعادت إلى تناولها من جديد. عانت بشرى من مشاكل صحية خطيرة منذ ذلك الوقت، أكد لها الأطباء أن دواء الحساسية الذي كانت تتناوله لسنوات هو السبب، كما ذكرت في مقابلة قبل وفاتها.

دواء سلبها حياتها

عانت بشرى طوال سنوات من مرض التليف الكبدي ، وتلف الغدة الدرقية وتعفن على مستوى قدمها. رغم ذلك لم تتمكن من تلقي العلاج الضروري والمتابعة الطبية بعد رفض مستشفيات عمومية وخاصة استقبالها بسبب ظروفها المعيشية الصعبة، كما ذكرت في إحدى المقابلات الصحفية. وبعد سنوات من المعاناة والمرض، توفيت بشرى تاركة خلفها ابنها البالغ 13 عاما، بحسب والدتها التي قالت لـ DW عربية إن حفيدها: "يريد التعلم ولعب كرة القدم وأشياء كثيرة لا أستطيع تلبيتها له".

معاناة مشابهة تعيشها نزهة (43 عاماً). قبل عدة سنوات تأثرت بصديقات لها اقتنين أقراصاً ومكملات غذائية من الإنترنت زعمن أنها تساعد على زيادة الوزن وتجعل الفتاة تبدو أجمل وأكثر أنوثة. منذ ذلك الحين، تدمرت حياة نزهة بالكامل ، كما ذكرت لـ DW عربية. زوجها وأهلها تخلوا عنها، بعد أن أصيبت بالشلل الجزئي وباتت تعاني من مشاكل صحية عديدة، منها هشاشة العظام والقصور الكلوي والتبول اللاإرادي." أنا الآن أعاني بمفردي وأعيش الفقر .. خذوا العبرة مني.. جميع أعضاء جسمي تضررت، من جراء الأقراص التي كنت أتناولها بدون استشارة طبية".

خطر التسويق عبر المؤثرين

تتأثر كثيرات مثل نزهة بما يعرضه مؤثرون يتابعهم عشرات الآلاف وأحياناً الملايين على مواقع التواصل الاجتماعي .يقدم هؤلاء نصائح طبية عبر هذه المنصات الإلكترونية، ويوجهون متابعيهم إلى استعمال أدوية محددة أو مكملات غذائية دون استشارة طبية. ما قد يعرض حياة متابعيهم للخطر. وبرأي د. إسماعيل عزيز، الطبيب والباحث في أمراض القلب والشرايين بالمغرب وحالياً بالمركز الفيدرالي لجراحة القلب والأوعية الدموية بموسكو، يصبح الخطر أكبر "عندما يفتقر المؤثر لأي تكوين طبي أو علمي، فيصبح مجرد واجهة إعلانية لشركات تبحث عن الربح السريع".

يقدم الطبيب المختص في أمراض القلب والشرايين إسماعيل عزيز محتوى طبي على إنستغرام يستند إلى آخر الأبحاث العلمية.صورة من: privat

إلى جانب مهنته، يقدم الدكتور إسماعيل عزيز محتوى طبيا على الإنترنت يستند إلى آخر الأبحاث الطبية والعلمية، يحاول نقلها بسلاسة إلى جمهوره. وفي هذا الصدد أوضح خلال حديثه مع DW عربية : أن "الدراسات الدولية تؤكد أن الجمع بين مؤثر بلا معرفة علمية وشركة تبيع منتجات لم تخضع للمراقبة أو ملوثة يؤدي إلى تضليل الجمهور. هكذا يتم خلق صورة زائفة من المصداقية، فيقتنع المتابع غير المتخصص بشراء منتج، قد يسبب له ضرراً حقيقياً. والأسوأ من ذلك أن بعض المنتجات، حتى لو كانت آمنة نسبياً، يتم التسويق لها عادة كعلاج شامل لعشرات المشاكل، فيتم دفع جميع الفئات لاستهلاكها بلا حاجة طبية حقيقية، وهو تلاعب مباشر بالثقة لتحقيق أرباح على حساب صحة الناس".

حالات مرضية خطيرة

المخاطر الصحية المحتملة جراء تناول أدوية ومكمّلات مجهولة المصدر تُباع فقط على الإنترنت أو تُروّج لها هناك، قد تصل وفق د. إسماعيل عزيز إلى حدوث: "تسمم كبدي وكلوي، اضطرابات ضغط الدم وإيقاع القلب ، تداخلات دوائية خطيرة مع علاجات مَرَضية أساسية، وحالات تسمم حادة عندما تُباع نباتات سامة أو منتج يحتوي أدوية معروفة (مثلاً سيلدينافيل أو مركبات ستيرويدية) دون تصريح". كما يشير إلى أن التقارير والبيانات الوبائية الحديثة في المغرب قد "رصدت زيادات في حالات الإصابة بأمراض الكبد مرتبطة بمكملات عشبية أو غذائية غير مضبوطة أو مغشوشة".

يمنع تسويق الأدوية عبر الإنترنت بالمغرب بشكل كلي، حسب نص القانون رقم 17-04 الذي يحظر بيع الأدوية عبر الإنترنت ويجعل الأماكن القانونية والمأمونة لشراء الأدوية هي الصيدليات التقليدية المرخصة. ويهدف هذا القانون إلى ضمان جودة وسلامة وفعالية الأدوية وحماية الصحة العامة من خلال منع أي ممارسات غير قانونية.

كما أن المادة 41 من هذا القانون تنص على أنه "لا يقبل الإشهار لدواء ما لدى العموم إذا كان خاضعا لوصفة طبية أو قابلا لإرجاع المصاريف من قبل أنظمة التأمين على المرض، أو يتضمن الإذن بعرضه في السوق قيودا تتعلق بالإشهار لدى العموم بسبب خطر قد يلحق بالمواطنين أو بالصحة العمومية". لكن الأمر يختلف تماماً على أرض الواقع.

خلال الممارسة السريرية، شخّص الدكتور إسماعيل عزيز، حالات مرضى أصيبوا باعتلال كلوي وتسمم كبدي واضطرابات نظم بعد استعمال مكملات للتنحيف أو "تعزيز الأداء" تم شراؤها عبر الإنترنت. وأوضح أن "هناك حالات كثيرة منشورة في سجلات إصابة الكبد الدوائي تُظهر ارتباطاً واضحاً بين استهلاك مكملات غير خاضعة للفحص والمراقبة وضرر عضوي حقيقي. هذه الشهادات السريرية تدعم الحاجة لإجراءات وقائية صارمة".

الثقة بالمؤثرين لم تأت من فراغ

لكن لماذا تفاقمت ظاهرة اقتناء الأدوية عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة؟ هذا السلوك يمكن تفسيره وفق الباحث والمختص في علم الاجتماع النفسي، فؤاد يعقوبي من خلال عدة مفاهيم في علم النفس الاجتماعي، منها ما يُعرف بظاهرة "اتباع السلوك الجمعي" وهو كما أوضح لـ DW عربية: "عندما ترى الفتيات أن عدداً كبيراً من أقرانهن أو المؤثرات على وسائل التواصل الاجتماعي يتناولن دواء معيناً (حتى وإن لم يكن مخصصاً لحالتهن الصحية)، فقد يدفعهن ذلك إلى التقليد بدافع الانتماء أو عدم الاختلاف".

ويضيف: "عندما يظهر المؤثر بشكل جيد و"سعيد" بعد استخدام دواء معين، يخلق ذلك ربطًا شرطيًا في أذهان المتابعين بين استخدام الدواء وتحقيق نتائج مرغوبة (زيادة الوزن، الجمال، الثقة بالنفس)، دون النظر إلى آثاره الجانبية أو استخدامه الأصلي". كما يشير إلى أن "افتقار الكثيرين إلى فهم علمي دقيق للأدوية وآلية عملها، يجعلهم أكثر عرضة للتأثر بالمعلومات الخاطئة، خاصة إذا تم تقديمها بلغة بسيطة وجذابة من قبل مؤثرين".

يحذر المختص في علم الاجتماع النفسي فؤاد يعقوبي من التأثير النفسي للمؤثرين خاصة فيما يتعلق بالصحة.صورة من: privat

أما عن سبب ثقة البعض بالمؤثرين أكثر من المؤسسات الصحية والأطباء ، يوضح الباحث: "المؤثرون يعرضون حياتهم اليومية، يشاركون مشاعرهم، ويتحدثون بلغة غير رسمية تشبه حديث الأصدقاء. هذا يخلق شعورًا بالقرب والثقة يُعرف بالحميمية الزائفة، وهي علاقة من طرف واحد يشعر فيها المتابع بأنه يعرف المؤثر شخصيًا. في حين قد يشعر الناس بأن المؤسسات الصحية والأطباء يتحدثون بلغة تقنية، أو أنهم بعيدون عن احتياجات الناس العاديين، خاصة في حالة نقص التواصل الصحي الفعّال. هذا يجعل الرسائل الرسمية تبدو جافة وغير مقنعة مقارنة بخطاب المؤثرين العاطفي".

إجراءات صارمة من وزارة الصحة

ويحذر الباحث والمختص في علم الاجتماع النفسي من أن ما يحدث هو "تداخل خطير بين الجهل الطبي، والتأثير النفسي للمؤثرين، وفقدان الثقة بالمصادر الرسمية. وهذا يؤدي إلى ظاهرة اجتماعية تحتاج إلى مواجهة متعددة الأبعاد: تعليم صحي، رقابة رقمية، وتشجيع الأطباء والمؤسسات الصحية على استخدام أدوات التواصل الحديثة بشكل أكثر فعالية".

وقبل أيام أعلنت وزارة الصحة في المغرب عن إجراءات جد صارمة بشأن تنظيم بيع وتوزيع الأدوية والمنتجات الصحية، معلنة عن حظر شامل لأي عملية بيع عبر الإنترنت أو مواقع التواصل الاجتماعي، مع اتخاذ إجراءات قانونية ضد المخالفين للقانون المعمول به. وأكدت الوزارة في منشور رسمي، نقلاً عن صحف مغربية، منها "جريدة أصوات" الإلكترونية "أن بيع أي منتج صيدلاني عبر الإنترنت أو منصات التواصل الاجتماعي يُعتبر ممارسة غير قانونية تعرض أصحابها لعقوبات جنائية".

تحرير: عارف جابو

DW المصدر: DW
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار