في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
قدَّم الوفد الأمريكي الذي زار بيروت مؤخرا، والذي ضم السفير توماس براك ونائبته مورغان أورتاغوس والسيناتور الأمريكي البارز ليندسي غراهام، مشروع "المنطقة الاقتصادية" وهو مشروع إنمائي يعِد بجذب الاستثمارات وخلق فرص عمل في منطقة أنهكتها الحروب والإهمال، وسط رفض كامل للفكرة من قبل سكان الجنوب.
مشروع المنطقة الاقتصادية، لا يزال "فكرة"، ولم يتبلور بالشكل اللازم. السيناتور ليندسي غراهام، يطرح الفكرة كركن أساسي في ترسيخ الاستقرار في لبنان وإسرائيل، رابطاً الاقتصاد بالأمن.
الرغبة الإسرائيلية واضحة في إقامة منطقة عازلة خالية من السكان ضمن جزء من الشريط الحدودي، ما قد يطال عددا كبيرا من القرى الجنوبية، منها "الخيام، كفركلا، مركبا، العديسة، عيتا الشعب، حولا، طير حرفا، ميس الجبل، بليدا، عيترون، يارون، الضهيرة، الناقورة، يارين، مروحين".
في الوقت ذاته، أتى هذا المشروع، كحجة واقعية تعزز موقف حزب الله، في رفض تسليم السلاح . مما يزيد المشهد تعقيداً.
لا يزال الكثير من قرى جنوب لبنان نازحين في مناطق أخرى ولا يستطيعون العودة إلى بيوتهم المدمرةصورة من: Ali Mouradوعلى الصعيد اللبناني، ما زالت الفكرة غير مرحب بها على المستويين الرسمي والشعبي، ولا موافقة على معادلة المنطقة الاقتصادية مقابل الاستقرار. في حديث مع DW عربية، قال الأستاذ الجامعي والسياسي، علي مراد، وهو من الجنوب من بلدة عيترون الحدودية، "إن الأولوية اليوم هي ضمان الشروط السياسية والاقتصادية والأمنية ، التي تتيح عودة آمنة ودائمة لأهالي الجنوب، خصوصًا القرى الأمامية والحدودية. أي طرح اقتصادي لا يضمن هذه العودة، ولا يشمل إعادة الإعمار مرفوض بالكامل. الاستثمار الحقيقي يجب أن يُبنى على بقاء الناس في قراهم وتأمين فرص عمل لهم، لا على إفراغ الأرض من سكانها. لا يمكن مقايضة حق العودة والإعمار بأي إغراء اقتصادي أو استثماري مهما كان حجمه."
لا يزال هاجس العودة يشكل محورًا أساسيًا في تفكير الجنوبيين، بعيدًا عن الاصطفافات المؤيدة أو المعارضة لحزب الله وسلاحه. كما يوضح المواطن محمد من قرية عيترون في حديثه مع DW عربية، "إن أي حل يُطرح للمنطقة، إذا لم يكن محوره الأساسي هو عودة السكان إلى منازلهم وإعادة إعمار ما دمر، فهو مرفوض تمامًا. لقد خسر الإيراني في جنوب الليطاني ، لكن معركتنا، نحن أبناء الأرض، لا تزال قائمة حول بيوتنا وحقوقنا فيها" ويضيف محمد بأن "المبدأ واضح لا لبس فيه: أي حل لا يضمن عودتي إلى منزلي وإعادة إعمار أرضي هو مرفوض، مهما كان حجمه أو طبيعة المغريات التي يحملها".
ما يهم أهالي الجنوب هو العودة إلى قراهم وإعادة بناء منازلهم قبل أي شيء آخرصورة من: Ali Mouradبينما قال المواطن صبحي من قرية حولا، لـ DW عربية "في أرض حولا لدي ثلاثة قبور، أمي وأبي وأخي، وإذا اضطررت فسأنقلهم معي حيث يكون ملاذي الأخير." ويتابع أنه سٌئِل من صديق "يعني لم تعد تعنيك حولا؟" فأجاب "حولا نموذج عن الوطن، والوطن نموذج عن حولا". ثم يضيف بحسرة "عدت إلى حولا، لكنني ما زلت نازحًا. استأجرت بيتًا ومحلًا، وكأن العودة لم تكتمل بعد."
تبدو مسألة العودة عند الجنوبيين، أولوية قصوى، قبل أي استحقاق سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي. لا مقايضة بين حق العودة والإعمار وأي مشروع اقتصادي أو استثماري، حسب رأيهم.
في حديث مع الصحافي داود رمال، أوضح لـ DW عربية، أن سبب الانقسام حول ما يُسمى "المنطقة الاقتصادية" هو غياب أي طرح واضح حتى الآن. وقال "إسرائيل تريد منطقة خالية من السكان بعمق خمسة كيلومترات، فيما يجري الترويج إعلاميًا لتحويلها إلى منطقة اقتصادية، لكن حتى الموفد الأمريكي باراك لم يتحدث عن ذلك، بل طرح إنشاء صندوق دعم لأهالي الجنوب بعد توقف الأموال التي كانت تصل عبر إيران و حزب الله. "
وأضاف "هذا الغموض انعكس على الإعلام، فكل طرف تعامل معه من زاويته الخاصة. لكن الموقف الرسمي اللبناني حاسم: لا يمكن القبول بأي خطة تُخرج الناس من قراهم الأمامية وبلدات الحَرف. المقبول، فقط هو مشاريع استثمارية حقيقية داخل الجنوب، تضمن بقاء السكان، وتوفر لهم فرص عمل". وختم الصحافي حديثه بالقول "حتى اللحظة، ما يُطرح أمريكيًا لا يتعدى صندوق دعم مؤقت، بينما تعتبر إسرائيل أن الحل المستدام لا يمكن أن يتحقق إلا عبر مفاوضات مباشرة مع لبنان."
بحسب الصحافي رضوان عقيل، في حديثه مع DW عربية "هي ما زالت فكرة، ولم ترتق لتكون فكرة جدية للتنفيذ، وسوف تواجه من قبل الشعب قبل الساسة، وخارج الاصطفافات السياسية، ولا أراها قابلة للتنفيذ".
وللغوص في الفكرة الاقتصادية، قال الصحافي الاقتصادي، منير يونس في حديث، مع DW عربية، حول الجدوى الاقتصادية الفعلية من إنشاء منطقة اقتصادية في الجنوب، في ظل الانهيار المالي الذي يعيشه لبنان، اعتبر أن المشروع المطروح في الجنوب "لن ينجح إلا إذا ارتبط بالتطبيع أو بتسوية سياسية وأمنية". وقال إن اختيار الشريط الحدودي ليس مصادفة، بل يرتبط بجعل المنطقة "ساحة مصالح وتبادل مصالح"، ما يجعلها أقرب إلى مشروع تطبيع منه إلى خطة اقتصادية لبنانية بحتة.
وأوضح أن أي استثمار جدي يحتاج إلى بيئة مستقرة، "فرأس المال لا يتجه إلى مناطق نزاع"، مشيرًا إلى أن واشنطن وبعض الدول العربية تشجع هذا الطرح، لكن نجاحه مرهون بقرار تسليم السلاح وإنهاء حالة النزاع بشكل كامل.
وأكد أن الاستراتيجية الأمريكية ليست جديدة، فقد اُتم اقتراح مشروع لتحويل غزة إلى منطقة سياحية واقتصادية سابقًا، كما تيتم ترويج الفكرة نفسها في سوريا ولبنان، حيث تطرح حلول اقتصادية كبديل عن الحلول السياسية من خلال جذب الاستثمارات وتحسين مستوى المعيشة. "لكن هذه الاستثمارات لن تتحقق إلا إذا أصبحت المنطقة محمية من مصالح محددة، إما من خلال سلام دائم أو اتفاق نهائي ينهي النزاع".
ما زالت الأمور غامضة حتى اللحظة في سياق تعزيز صورة آمنة خالية من العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد حزب الله . يأتي ذلك في خضم تصاعد الخطاب من قبل الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، الذي يعلن بوضوح رفضه لتسليم السلاح. يتزامن هذا المشهد مع عملية تسليم سلاح المخيمات في لبنان للدولة، مما يزيد تعقيد المشهد الأمني والسياسي.
تحرير: عارف جابو