أحمد عبد العاطي عبد الرزاق عايد، شاعر مصري. حاصل على ليسانس تربية وآداب -قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية- كلية التربية، جامعة قناة السويس. يعد حاليا لإنهاء رسالة الماجستير في تخصص النقد الأدبي الحديث. يعمل في مجال التدقيق اللغوي والتحرير الأدبي، وله تجربة مميزة في فنون الخط العربي.
صدرت له عدة مجموعات شعرية، نذكر منها: "رماد أخضر"، "المعتزل"، "وقت أحمد عايد"، "كما تصف المياه غزالة"، "أحتسي قهوتي… أهذي"، "سبع كلمات زرقاء"، "هي تلك مملكتي"، "خفيف وقاتل"، "ظل يحرس النسيان"، "لا أرى الأشياء كما هي".
حصل على عدة جوائز، منها: جائزة بيت الشعر بالأقصر (التابع لبيت الشعر بالشارقة). وجائزة عن سيناريو فيلم "موت هزيل" ضمن مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة. فإلى الحوار معه:
بعد أكثر من 10 أعوام، أصدرت فيها 10 دواوين وحصدت فيها عدة جوائز، إضافة إلى كتب عن شعري، أشعر بأنني أمتلك مشروعي الخاص وصوتا يدل علي، لكن ما أحلم به لا يزال بعيدا بعيدا، الشاعر لا يصل إلى ما يريد إلا عندما يكتب قصيدته الأخيرة.
المشهد الشعري المصري ممتلئ جدا، وفي الأشكال الثلاثة لدينا أسماء كثيرة، لكن المخيف في كل هذا أن أغلبهم لا يمتلك مشروعا حقيقيا، ولا يملك خريطة عمل، بل لا أبالغ إن قلت إن كثيرا منهم لا يعرفون أساسيات الشعر.
أما بخصوص قصيدة النثر، فقد وضعت رأسها برأس القصيدة العمودية، يتناطحان دائما، ومؤخرا قد تعزز وجود قصيدة النثر عبر الجوائز والمؤسسة الرسمية في مصر، فما من مكان ثقافي رسمي إلا ويسيطر عليه كاتبو قصيدة النثر، وهذا أعطاها انتشارا واسعا للغاية. فيما يكتسب العمودي وجوده من وهج الجوائز المالية الضخمة. بينما لا عزاء لقصيدة التفعيلة، والتي في رأيي يحق لها أن تكون بطل هذا الوقت.
الوسط الثقافي في مصر جزء من الوسط الثقافي العالمي، وانعكاس للمجتمع المصري والعالمي، وما يهيمن على كل هذا هو الانحلال، أزمات أخلاقية ووجودية وهوياتية مخيفة.
هناك مشكلات كبيرة جديدة طفت على السطح، كتحكم القارئ في سوق النشر، والشللية المخيفة التي باتت تحكم كل شيء في الوسط الثقافي بدءا مما يكتبه الكاتب وانتهاء بما يحصل على الجوائز.
ووسط كل هذا هناك مخلصون يعملون بدأب النمل في الخفاء.. لولاهم لانتهى الأدب والشعر.
لا شك أن إحدى أدوات الشاعر لفهم الشعر هو النقد، النقد الحقيقي المتجرد، الذي يظهر مواطن القوة ويشير بلا مهادنة إلى أماكن الضعف، النقد الذي يركض بأقصى ما فيه ليواكب حركة الشعر.
كان حلم الدراسة الأكاديمية يداعب خيالي وأنا طالب في الجامعة، وقد أخبرني أكثر من أستاذ جامعي ممن درسوني بأنهم يريدون مني التوجه إلى السلك الجامعي، لكن دوامات الحياة أخذتني بعد الدراسة وانشغلت بتكوين أسرتي، ومن ثم تأمين متطلبات الحياة لهم.
حاولت مرتين قبل هذه المرة، وكنت أجد عكوسات تصرفني عن إتمام الأمر، لكن هذه المرة تسير الأمور على خير ما يرام.
هذا التأخر لا يزعجني، فأحمد عايد هذه السنوات صار يفهم أفضل من قبل، وهذا يساعدني كثيرا في إتمام الدراسة والرسالة.
عنوان الرسالة "شعرية السرد في ديوان احتفاليات المومياء المتوحشة لمحمد عفيفي مطر". الحقيقة أنني أعيد -من خلال هذه الدراسة- اكتشاف فهمي للشعر، وفهمي لمحمد عفيفي مطر، أحد الشعراء الذين قرأت أعمالهم الكاملة في بدايات حياتي الشعرية.
راجعت كتبا كثيرا. الحقيقة إن كثيرا مما قرأت سيئ للغاية، لكن دور النشر تتعامل بمنطق التاجر، فهو يطبع ويبيع فقط، لا يبحث عن كاتب حقيقي، والكاتب لا يبحث عن قارئ حقيقي، وأغلب دور النشر تلعب بفكرة الشهرة، لدينا دور تسند تأليف كتاب لاسم مشهور، ليضمن مبيعات كبيرة.
لكن مر علي أعمال عظيمة خلال عملي في دار آفاق المصرية، أذكر منها مثلا يوميات تولستوي في 6 أجزاء ترجمها يوسف نبيل، والحقيقة آفاق صارت اسما كبيرا مهما في السوق بإصداراتها.
عملت مع مؤسسات ودور نشر مصرية وعربية وأجنبية، وعملت مع أفراد، وبعض هذه الكتب حقق جوائز مهمة، وأثنى عليها قراء كثيرون.
كل جائزة تحمل في داخلها جوائز: أولها الدعم المادي وكلنا كمبدعين نحتاج إلى المال لنواصل مشاريعنا، ثم الدعم المعنوي فالجائزة اعتراف وتقدير وعرفان، ثم الانتشار فالجوائز تسلط الضوء على الكاتب والمكتوب.
لكن دعنا نقل إن الجائزة لا تصنع مبدعا أبدا، أستطيع أن أخبرك بأسماء لم تسمع عنها من قبل، على الرغم من أنها حصلت على جائزة نوبل، ولكن أي إنسان عادي لا يجهل تولستوي وتيشخوف وهما لم يحصلا على نوبل.
الجوائز الآن محبطة في أغلبها، لأننا حين نقرأ النصوص الفائزة نُصاب بإحباط رهيب، فهل هذا حقا ما أعجب اللجنة؟ في إحدى السنوات اجتمع بعض القراء لقراءة رواية حاصلة على جائزة في مصر، ولك أن تتخيل كم الأخطاء اللغوية والتراكيب الفاسدة والجمل غير المكتملة التي وجدوها.. وهذا طرح سؤالا مخيفا: هل قرأت اللجنة هذه الرواية، أم منحت الجائزة لصديقتها المفضلة؟
منذ صغري وعيني تفتن بالخط العربي، أبي وأحد أخوالي خطهما في غاية الأناقة، وفي المرحلة الابتدائية يلاصق سور المدرسة خطاط، وكلما خرجت من المدرسة أقف لأملأ عيني بجمال ما يخطه، في المرحلة الثانوية كان لدي صديق أبوه خطاط، وكنا نتنافس في الكتابة أنا وصديقي وأبوه يصحح لنا ويعطي درجات، في الجامعة ذهبت لدراسة الخط العربي في مدرسة تحسين الخطوط العربية بالسويس. ثم انقطعت ولم أكمل، وعدت منذ سنوات.
الحقيقة لست محترفا، أنا لا أزال أدرس وفي طريقي للاحتراف.
لا أرى الخط والشعر بعيدين، بل هما فنانان يرتبطان بروح الحرف، أحدهما عبر الأذن والآخر عبر العين.
لم يحدث أي استثمار للخط في الأدب إلى الآن، لكن لدي مشاريع خطية تتعلق بالأدب أنوي تنفيذها حين يخبرني أستاذي بأنني مؤهل لهذا. عملت سنوات في تدريب الأطفال كيفية تحسين خطهم الاعتيادي، كما عقدت ورشا عن أهمية الخط العربي والتعريف بأنواعه في مصر وخارجها عبر النت.
الإنسان الأصيل يعرف العمل الذي فيه روح، ولا تستطيع التكنولوجيا مهما تطورت أن تخدعه، وكما قال نيشته: "من بين كل ما تكتبون، صدقوا ما يكتب بدماء الروح". أعتقد جازما أن التكنولوجيا وسيلة مساعدة مثلها مثل القلم، ومتى تجاوزت دورها فسدت وأفسدت العمل الفني.
قدمت لنا جميعا وسيلة تواصل مع أصدقائنا الفنانين، ربما لو لم توجد التكنولوجيا لما عرفنا وجودهم أصلا، وفتحت لنا أبواب الوصول إلى جماهير أكثر. أعتقد أن السوشيال ميديا لم تعد عالما افتراضيا، بل صارت عالما موازيا كاملا وواقعا لا يمكن الفكاك منه.
أما الذكاء الاصطناعي فليس لي أي تجربة معه لحسن حظي. أنا أتخوف منه دائما. ولا أحب الخوض في توقعاتي له، لأنها توقعات مخيفة للغاية.. أرجو أن تكون مجرد هلاوس أو مخاوف لن تتحقق.
الحقيقة عندي تخوف دائم من السينما وما يخصها، لسبب شخصي يكمن في اعتقادي أن السينما تقتل الخيال، والخيال هو رأس مال الشاعر.
جاءت التجربة بطريقة عجيبة، دعوة من صديق بتوصية من صديقه، وقلت: لم لا أجرب! دخلنا ورشة لمدة 3 أيام مع الدكتور تغريد العصفوري، عملنا فيها على تطوير أفكار السيناريوهات التي قدمناها.. الحقيقة حين انتهيت من الكتابة، دهشت من النتيجة، ثم دهشت أكثر حين فزت.
الفيلم وثائقي صغير، يتحدث عن الأماكن السويسية التي أثرت في نشأتي كشاعر، تبدأ من منزلي مرورا بأماكن تراثية وآثار في السويس، وتنتهي بالمتحف، الذي هو بوابة الخلود في نظري، ويأتي اسم الفيلم من قصيدة لي، أقول فيه: "هي القصيدة تهزم الموت الهزيل".