لم يكن عمر الشريف يعلم أن فيلم "دكتور زيفاجو" الذي نال عن دوره فيه جائزة الغولدن غلوب كأفضل ممثل رئيسي، سيظل ممنوعا من العرض في مصر بأمر جهاز الرقابة على المصنفات الفنية.
فقد روت السيدة اعتدال ممتاز التي تدرجت في المناصب داخل جهاز الرقابة، حتى صارت أول سيدة مصرية تعمل كمديرة لجهاز الرقابة على المصنفات، وأمضت 30 عاما داخل الجهاز، تفاصيل القصة.
وقدمت اعتدال ممتاز ملخصا لحقبتها داخل الجهاز، في كتابها "مذكرات رقيبة سينما"، الذي اطلعت عليه "العربية.نت"، ومن بين الوقائع التي روتها ما حدث وقت عرض فيلم "دكتور زيفاجو" في مصر.
إذ تقدمت شركة "مترو" في نوفمبر عام 1965 بطلب إلى جهاز الرقابة، من أجل التصريح بعرض فيلم "دكتور زيفاجو" في مصر.
وتقدمت الشركة في البداية بالإعلان الخاص بالعمل، لكن الرقيبة أرجأت الموافقة عليه لحين مشاهدة النسخة كاملة، وأمام إلحاح الشركة، تم إجازة عرض المقدمة الخاصة بالفيلم.
بعدها سلمت الشركة نسخة من الفيلم من أجل عرضها، لكن الرقباء قرروا منع عرض الفيلم في مصر، وهو ما أيده مدير جهاز الرقابة على المصنفات الفنية.
وجاء قرار الرفض لاعتبارات سياسية، أولها العلاقة الرسمية بين مصر وروسيا التي تبرر منع عرض هذا الفيلم، الذي اعتبر أنه يسئ إلى الثورة الروسية.
كما تسبب قرار الرقابة في إرسال تظلم من قبل الشركة الموزعة، والتي أكدت على التزامها بسياسة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز، والمخطط الاشتراكي.
وفندت الشركة في تظلمها الأسباب، مؤكدة أن الفيلم يتناول قصة غرامية حدثت قبل وأثناء الثورة الروسية، ولم يكن الهدف هو التعرض للثورة الروسية، وطالب مدير الشركة بحذف المشاهد التي تسئ إلى الثورة الروسية من العمل.
كما أكدت الشركة أن بطل الفيلم عمر الشريف هو خير دعاية للجمهورية العربية المتحدة، ويتشوق الجمهور لرؤيته في هذا الفيلم، كما أن هناك دولا من دول عدم الانحياز عرضت الفيلم.
ثم اجتمعت لجنة التظلمات في يونيو عام 1966، وأكد محامي الشركة أن عدم عرض الفيلم، سيعرضهم لخسائر تقدر بـ 25 ألف جنيه مصري.
لكن لجنة التظلمات أكدت أن المادة الأولى من قانون الرقابة، تربط الموافقة على عرض الفيلم أو منعه بمصالح الدولة العليا، ولذلك فإن عدم موافقة حكومة الاتحاد السوفيتي على القصة والفيلم، وهو ما يظهر في مواقف كثيرة، يجعل من الموافقة على عرض هذا الفيلم بمثابة ترجيح لكتلة على حساب أخرى.
لذلك قررت اللجنة رفض التظلم، ورأت أن الحل المقترح بحذف بعض المشاهد لا يفيد، لأن عرض الفيلم من الأساس يمس مصلحة الدولة السياسية في علاقتها مع الاتحاد السوفيتي.
وبعد قرار اللجنة، سحبت الشركة المقدمات ونسختي الفيلم وأعادتهما من حيث أتت بهما، وظل الفيلم ممنوعا من العرض في مصر.
وبعد مرور 6 سنوات، قام بعدها أحد موظفي التلفزيون المصري ومعه مخرج معروف، بتقديم طلب إلى وكيل وزارة الثقافة والإعلام، يخبره فيه أنه قام بشراء فيلم "دكتور زيفاجو" الممنوع من العرض، وطالب بعرضه في مصر لأن أسباب عدم عرضه قد زالت.
يذكر أن وزارة الثقافة والإعلام تقدمت بطلب إلى وزارة الخارجية من أجل الاستئناس برأيها في مسألة عرض الفيلم، لما للأمر من أسباب سياسية، وقدم طلب آخر لنائب رئيس الوزراء من أجل حسم الأمر.
وشكلت لجنة رقابية من أجل ترخيص الفيلم، وأجيز عرضه بالفعل بسبب الأوضاع السياسية الجديدة التي حدثت في العالم، والعلاقة الجديدة بين واشنطن وموسكو، ليشاهد الجمهور المصري الفيلم في دور العرض بعد مرور 11 عاما على إنتاجه.