يخوض الفنان أحمد خالد صالح تجربة جديدة عبر مسلسل "كل ما تراه ليس كما يبدو"، الذي يُعرض حاليا على منصة "شاهد"، كاشفاً عن مساحة مغايرة في أدائه تتقاطع فيها الأسئلة الفلسفية مع الصراعات الإنسانية. يجسد صالح دوراً يتشابك مع حكايات الناس وذاكرتهم، ناقلاً المشاهد بين الحاضر والماضي عبر حكاية "فلاش باك" التي تفتح أبواباً غير متوقعة على أسرار الشخصيات.
وفي حواره مع "العربية.نت" و"الحدث.نت" تحدث صالح عن ملامح هذه التجربة، وتفاصيل الشخصية، وعلاقته بالمخرج وزملائه، وكواليس التصوير، ورؤيته للأدوار التي يبحث عنها، وتفاعله مع ردود الأفعال.
*كيف جاء ترشيحك لمسلسل "كل ما تراه ليس كما يبدو"، وما الذي جذبك للمشاركة فيه؟
**جاء المسلسل في التوقيت الصحيح، حيث كنت أبحث عن عمل مختلف يُخرجني من منطقة الأدوار المعتادة. عند قراءة المعالجة الأولى للنص، شعرت أنني أمام عالم يتجاوز الحكاية التقليدية. نحن لا نحكي فقط عن شخصيات تعيش صراعاتها اليومية، بل عن صورة أكبر تتعلق بكيف نرى أنفسنا وكيف يرانا الآخرون. عنوان المسلسل نفسه "كل ما تراه ليس كما يبدو" يلخص الفكرة، فالحقيقة دائمًا أعمق من السطح. وهذا ما حفزني لأكون جزءًا من العمل.
*العمل يبدو محملاً بجرعات نفسية وفكرية، هل هذا ما تخشاه أم ما تبحث عنه؟
**بصراحة، هذا ما أبحث عنه. لا يغريني الدور السهل أو الذي يمكن اختصاره في "شاب طيب" أو "شرير تقليدي". أحب الاقتراب من المساحات الرمادية للشخصيات، لأنها تعكس حقيقتنا كبشر. في هذا المسلسل تحديدًا، أجد نفسي أمام شخصية لها طبقات: يظهر شيئًا ويخفي شيئًا آخر، يبتسم بينما بداخله عاصفة. هذا النوع من الأدوار يجعلني أراجع نفسي كإنسان قبل أن أراجعه كممثل.
*وماذا عن حكاية "فلاش باك" التي تشارك فيها ضمن المشروع؟
**"فلاش باك" تجربة مختلفة داخل العمل الكبير، وهي حكاية منفصلة لكنها في الوقت نفسه متصلة بالروح العامة للمسلسل. ما أعجبني في "فلاش باك" أنها تلعب على الذاكرة، على تلك اللحظات التي نظن أننا تجاوزناها لكنها تعود لتطاردنا. دوري في هذه الحكاية يضعني في مواجهة مع فكرة الماضي والذنب والاختيار، وهي كلها عناصر قريبة جدًا من حياتنا. لا أظن أن هناك إنسانًا لم يختبر صراعًا مع ماضيه.
*كيف كان التعاون مع المخرج جمال خزيم في هذه التجربة؟
**التعاون مع المخرج جمال خزيم مختلف، لأنه لا يتعامل مع الممثل كمجرد منفذ للتعليمات، بل كشريك في بناء الشخصية. يخلق طاقة حوار بينه وبين الممثل ويعطينا حرية للحديث. يؤمن بأن الممثل يجب أن يملك تفاصيل الشخصية بعمق، لذلك يمنحنا حرية الاكتشاف، مع توجيه دقيق لا يترك شيئًا للصدفة.
*وماذا عن كواليس العمل مع فريق الممثلين والإنتاج؟
**بصراحة، الكواليس كانت مليئة بالطاقة الإنسانية قبل الفنية. كل ممثل كان يأتي وهو مدرك أن العمل لا يحتمل "بطولات فردية"، بل هو مشروع جماعي قائم على التشابك. لذلك كانت الكواليس مريحة للغاية. مريم الجندي ممثلة رائعة ومريحة في العمل، والإنتاج متمثلاً في كريم أبو ذكري كان داعماً للغاية، كما أنه صديق عزيز.
*وكيف تفاعلت مع شخصية "زياد الكردي"؟
**"زياد الكردي" شخصية مختلفة ومركبة تتطلب العمل عليه صدقًا داخليًا وعمقًا في التفاصيل. يأخذه عمله في مناطق مختلفة ممتلئة بالأسرار. لذلك عشت فترة داخل تفاصيله لأنه لا يتحدث كثيرًا، وبنيت شخصيته مع المخرج جمال خزيم منذ البداية. فهو ليست شخصية سهلة.
*وهل مثل هذه الأدوار الثقيلة تضعك داخل ضغط؟
**نعم، الضغط موجود دائمًا في الأعمال الثقيلة نفسيًا، لكنني تعلمت أن أوازن بين الشخصية والحياة الشخصية. لا أستطيع أن أترك الدور يبتلعني طوال الوقت، وإلا سأدفع ثمنًا باهظًا على المستوى الإنساني. هناك طقوس صغيرة أمارسها كي أفصل بين أحمد الإنسان وأحمد الممثل: أسمع موسيقى، أمارس رياضة، وأقضي وقتًا مع الأهل والأصدقاء. هذا التوازن ضروري.
*وكيف ترى ردود الأفعال الأولى على العمل؟
**بصراحة، لم أكن أتوقع هذا القدر من التفاعل. كثيرون كتبوا لي أنهم شعروا أن الشخصيات قريبة جدًا منهم، رغم أن الحكاية تبدو غريبة في ظاهرها. هذا أكبر نجاح بالنسبة لي: أن يشعر المشاهد أن العمل يخصه، وأنه يرى نفسه في التفاصيل.
*لو أردت تلخيص رسالتك من المشاركة في هذا المشروع، فماذا تقول؟
**الرسالة ببساطة أن الحياة ليست كما نراها على السطح. كل إنسان يملك قصة خفية، صراعًا لا يراه الآخرون. وأظن أن الفن الحقيقي يجب أن يضيء هذه المساحات المظلمة، لا أن يكتفي بالضوء الظاهر. دوري كممثل أن أفتح نافذة على هذه المناطق، لعل المشاهد يرى نفسه أو يجد عزاءً أو يتساءل بطريقة مختلفة.