تُحضر الحكومة في الجزائر لإقرار نصٍّ قانونيٍّ، يُمنح بموجبه الأشخاص المبلغون عن المجرمين ومروجي المخدرات مكافآت مالية.
فيما تساءل عدد من المختصين عما إذا كانت قادرةً على ترسيخ ثقافة التبليغ لدى المواطن الجزائري، الذي يعتبرها "فعلا منبوذا"، لاسيما أنه ارتبط تاريخيا بالوشاية بالثوَّار خلال فترة الاستعمار الفرنسي.
ومن بين أشهر اللقطات في السينما الجزائرية، تلك التي بطلها "عمي ارزقي"، في فيلم "حسان طيرو" وهو يقف أمام ضابط فرنسي يُسائله عن مكان تواجد اِبنه الثائر، قبل أن يتدخل "الحركي" (تُطلق على الجزائريين الذين عملوا لصالح فرنسا ضد الثوار خلال الاستعمار)، ويضع على رأسه، كيسا أسودا ليخفي هويته ويحاول الضغط على الشيخ ليدلي بمعلومات عن ابنه.
كما يظهر في نفس الفيلم بطله، أحمد عياد، المشهور فنيا باسم "رويشد"، وهو يدلي بمعلومات خاطئة للجيش الفرنسي عن الثوار في محاولة منه أن لا يكون "بياعا" أي واشيا.
هاتان اللقطتان وأخرى كثيرة من السينما، ومن قصص وحكايات الثوار عن الحركي وإساءته للثورة التحريرية، جعلت فعل التبليغ يرتبط تاريخيا بالوشاية، وأضحى بالتالي منبوذا لدى الفرد الجزائري، مهما كان سياقه.
وقد أثار هذا الموروث الثقافي الجدل بعد إعلان الحكومة عن تفاصيل مشروع تعديل القانون 04-18 المتعلق بالمخدرات، الذي استحدث فكرة المكافآت المالية للمبلغين عن المجرمين كآلية أكثر فعالية لتحفيز المواطنين على التعاون مع الأجهزة الأمنية.
ولاقى القرار مقاومة ثقافية، بعضها خفية وبعضها الآخر علنية، مثلما فعل أحد الشباب الذين صَوَّروا فيديو، قال فيه "أخيرا استحدثوا لكم قانونا أيها الوُشاة".
في حين، أكد البروفيسور المختص في الصحة النفسية والأستاذ الأكاديمي الجامعي أحمد قوراية أن " ثقافة التبليغ ما زالت في مهدها، وذلك لتداخل العديد من الأسباب منها نقص درجة الوعي لدى الفرد، والخوف من المبلغ عنه ومن ملاحقات تبعيات التبليغ، وأحيانا عدم الثقة، مما يفرض أهمية إيجاد آليات لتعزيز هذه الثقة لدى المواطن".
إلاَّ أنَّه رأى في تصريحات للعربية.نت/الحدث.نت أن "هذا السلوك ليس فقط في الجزائر، بل موجود في بعض المجتمعات العربية وحتى الغربية".
كما أضاف قائلا إنَّ "اعتبار البعض المبلغ عن الجريمة مرادف للواشي"، يعتبر شراكة غير مباشرة مع المجرم في حد ذاته لأنه تستر عليه". وأكد أن "ثقافة التبليغ ضرورية لتطهير المجتمع من الفساد الذي يحدّ من تطوره".
أما عن كيفية ترسيخ ثقافة التبليغ، فأوضح قوراية أنه "لا بدَّ من تكثيف عمليات التوعية عبر وسائط الإعلام الوطنية، وعبر قنواته الرسمية ومنها إلى الخاصَّة حتى نعطي للمواطن ثقة كاملة في مؤسسات الدولة، وننشر من خلالها ثقافة الرَّاحة النفسية وتنظيم ندوات ومحاضرات من قبل المختصين في علم الاجتماع والنفس، واختصاصيين في مجال القانون، وأيضا إعطاء تحفيزات لم لا مادية".
كما دعا أيضا إلى "التغيير من الوضع السوسيو-ثقافي للفرد في حدّ ذاته، كما أن للمؤسسات التعليمية دورا عظيما في هذه المنظومة التوعوية وتربية الناشئة على أصول هذه الثقافة ودورها في الحفاظ على توازن الشخص والمجتمع، وتبين له أنه فاعل مهم في وطنه وأنَّ التبليغ عن الفساد جزءٌ مكون للهوية الوطنية ويندرج سلوك التبليغ عن الفساد ضمن مبادئ المواطنة التي هي ربط الفرد بالوطن وتحقيق مكاسب مشتركة".