آخر الأخبار

جمعهما عشق نَجْد.. اقتفاء أثر شاعرين لم يعد لهما من أثر!

شارك
تعبيرية

شاعران مجهولان، أو منسيان، لولا بعض الإشارات التي وردت في تصانيف المتأخرين، لضاع شعرهما، خاصة وأن المأثور عنهما، لا يتعدى بضعة أسطر.

والشاعران مذكوران، كلا على حدة، في مصدرين مختلفين، جمع بينهما الغموض وغياب الترجمة، وكذلك جمع بينهما، بحسب ما تناثر شحيحا، في بطون الكتب، عشق "نَجْد" ذلك الإقليم في قلب الجزيرة العربية، والذي تغنى به الشعراء قديما وحديثا، إلا أن ما جرى لهذين الشاعرين، من تهميش أو إهمال، لم يترك من شعرهما إلا بضع أبيات، شاءت المصادفة، أن يكون إقليم "نجد" هو الرابط الوحيد في قصتيهما.

بقي من أثره بيتان شعريان

وبحسب "الوافي بالوفيات" للصفدي، صلاح الدين بن أيبك (696-764هـ) وهو صاحب التصانيف المشهورة المتنوعة في كل باب، فإن شاعراً مجهول الأثر يدعى يعقوب بن علي بن محمد البلخي، ترك بضع أبيات تداولها الناس في حينه.

ويشار في هذا السياق، إلى أن الصفدي لم يذكر سوى بيتين اثنين، لذلك الشاعر المنسي، على الرغم مما يحمله البيتان من شعرية آسرة. وعلى الرغم من أن الشاعر المذكور المنسيّ، لا يرجع في أصوله إلى العرب، إلا أنه تباهى بنجْد، وأمام زعيم غير عربي، بحسب ما ذكره الصفدي في أن البيتين قيلا من الشاعر، وهو يمدح الملك خوارزم شاه (ت 628ه).

وقال المنسيّ الشاعر في سرد الصفدي، ومخاطباً الملك خوارزم شاه مادحاً له، إنما متباهياً بنجْد، وبأنه ينظم الشعر من ذلك الإقليم الذي سبق وتغنى به رؤساء الشعرية العربية قديما فقال:

فدونكها نَجْديةً ثقفيةً
تأنق في تنقيفها فطنة الجَنْدي
وما ضرَّني أن كان في نجْد مولدي
فعَظْمي من "جَنْدٍ" ونَظمي من نَجْد

عاد إلى دياره نَجديَّ الفضائل

ويذكر أن "جَنداً" التي ذكرها الشاعر وطناً له، وانتسب إليها، ولم يحرّكها الصفدي حتى التبس على الناس فظنّوها "الجُندي" وأدى ذلك إلى شيوع خطأ بالغ في المصادر، يضاف إلى التهميش والإهمال الذي أقصى غالبية شعره، فضاع كلُّه.

وبحسب البيتين اللذين نشرهما الصفدي، فيبدو أن الشاعر ولد في نَجْد، فقال بما معناه إنه لم يخسر أصله بولادته في غير مكان أهله، بل بقيت عظامه، أي أصله، من جَنْد، إلا أنه يبرع بنظم الشعر، من منبعه في نَجْد. كما لو أنه يقول بأنه امتلك الفضيلتين، معاً، عبر تلاعب لفظي وقلب للأحرف، بين جَنْد، وطنه أبيه وأجداده، ونَجْد، مكان ولادته هو.

وعلى ما نقله الصفدي من قول مشهور لم يقل بغيره، فإن الشاعر الجَندي استطاع أيضا، إضافة إلى بروزه في "النظم النجدي" أن يمتلك الفضائل النجدية، بحسب تعبير ابن أيبك المصنف المشهور، فقال إن بعض المؤرخين قال عن الجَندي: "خرج من دياره جَنديَّ القبائل، ثم عاد إليها نَجْديَّ الفضائل" وهو قول ما قيض لأحد أن يقال فيه، سواه. والقول يعني، أنه عاد محملا بـ"بفضائل" أهل هذا الإقليم، حيث اختلط فيهم وتأثر بقيمهم، فعاد إلى مسقط رأس أبيه، نجديَّ الفضائل.

ومن الجدير بالذكر، أن جَنداً المذكورة أصلا للشاعر ويقع الاسم في أكثر من مدينة، كجند الكازاخية أو التركستانية، تقع على حدود بلاد الترك، ويشار إلى جَند أخرى تركمانية ينسب إليها الرجل فيصبح جَندياً، كما يقول السمعاني (تـ562ه) صاحب "الأنساب" ويذكر الشاعر الجَندي، وهو يعقوب بن شيرين، الأخير الذي التبس على صاحب "الوافي بالوفيات" فزعم أنه سمّي بشيرين "لفصاحته وحلاوة منطقه" فيما يؤكد السمعاني أنه اسمه الشخصي، فحسب.

دعاهنّ من نَجْدٍ بعدما رمينه بسهم الحب

وبالانتقال إلى الشاعر الثاني المنسي الضائع شِعره، وأيضا، يجمعه بحامل الفضائل النجدية، عشق نجد، فهو شاعرٌ يدعى عساف، القشيري، أو النمري، أو النميري، أو عساف، فقط. ويعرف بأنه شاعر بدويّ شاب، حسن الوجه. ولا شيء آخر سوى الإشارة إلى أنه لا يلْحَن البتة، كما نقل القاضي التنوخي (تـ 384هـ) في "نشوار المحاضرة".

وتعود الحادثة التي شوهد فيها الشاعر البدوي عسّاف، إلى سنة 336 هجرية، والتقاه في تلك السنة، شاعر وكاتب يدعى عبيد الله بن محمد الصروي، على ما ذكره التنوخي، ولمّا سمع الصروي شعر عساف، أعجب فيه أشد الإعجاب، حتى إنه طلب منه تكرار إنشاد القصيدة اليتيمة التي لم يعرف له سواها، وفيها ذكر نجداً أيضاً:

نظرت وأعلام السرية دوننا بعيني فتى صبّ يرى الهجر مغرما
وأكرهت طرف العين حتى كأنما أرى بفضاء الأرض ستراً منمما
دعاهنّ من نَجْدٍ لحورانَ بعدما رمين بسهم الحب قلباً متيما

وبحسب النص المنشور في "نشوار المحاضرة" تبلغ قصيدة الشاعر البدوي الشاب، عساف، تسعة وعشرين بيتاً، طلب إليه تكرار إنشادها، أكثر من مرة، كي تثبت في ذهن متلقيها كي يحفظها، كما قال الصروي صاحب القصة.

ثم صارا في عداد المنسيين المجهولين

ويذكر، أن الشاعر البدوي الشاب عساف، المتعلق بأهداب نجْد، كما بدا في قصيدته، يلتقي مع الشاعر الأول، يعقوب البلخي، بذلك التعلق الواضح بتلك الأرض، إلا أن البدوي الشاعر، ابتسم له الحظ أكثر، فعُرِف له نحوٌ من ثلاثين بيتاً، فيما الأول الذي عاد إلى وطنه محملا بالفضائل النجدية، كما قال مؤرخون نقل عنهما صاحب "الوافي بالوفيات" لم يعرف من شعره، سوى بيتين اثنين، إنما الشاعران، من ابتسم أو لم يبتسم له الحظ، صارا في عداد المجهولين المنسيين، فذهب شعرهما، كما ذهب للعرب، قبلهما، ولأسباب شتى، شعر كثير، بحسب رؤساء في التصنيف العربي والإسلامي.

العربيّة المصدر: العربيّة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار