تمكن فريق بحثي ياباني من كشف السر الذي يجعل ساعاتنا البيولوجية تحافظ على انتظامها الدقيق رغم تقلبات درجات الحرارة اليومية والموسمية.
واستعان الفريق الذي قاده الباحث "جين كوروساوا" وفريقه في مركز RIKEN للعلوم الرياضية النظرية المتعددة التخصصات (iTHEMS) باليابان، بمبادئ الفيزياء النظرية لفهم كيفية الحفاظ على انتظام الدورة اليومية رغم تقلبات درجات الحرارة.
وتكمن أهمية هذا الاكتشاف في كونه يحل لغزا طويل الأمد حول ثبات التوقيت البيولوجي، حيث من المعروف أن التفاعلات الكيميائية الحيوية تتأثر بالحرارة بشكل عام. ومن المنطقي أن تؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى تسريع العمليات الكيميائية، بما فيها تلك المسؤولة عن تنظيم الساعة الداخلية. لكن الواقع يشير إلى أن هذه الساعة تظل محافظة على إيقاعها الثابت بغض النظر عن التغيرات الحرارية.
واعتمد الباحثون في دراستهم على تحليل دقيق للأنماط الإيقاعية لجزيئات الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA)، التي تعد حجر الأساس في تنظيم الساعة البيولوجية. وهذه الجزيئات تخضع لدورات منتظمة من النشاط والهدوء، تشبه في طبيعتها الموجات الجيبية المنتظمة. ومن خلال تطبيق منهجية فيزيائية متقدمة تعرف بطريقة "إعادة التطبيع"، تمكن الفريق من عزل الأنماط الديناميكية البطيئة في نظام mRNA.
وأظهرت النتائج أن ارتفاع درجة الحرارة يؤدي إلى تغير مميز في شكل موجة نشاط mRNA، حيث يصبح النشاط أكثر حدة في مرحلته الصاعدة بينما يتباطأ في مرحلة الهبوط. وهذه الآلية تسمى "تشوه الموجة" (waveform distortion)، وهي ما يحافظ على المدة الكلية للدورة ثابتة عند 24 ساعة، رغم تغير سرعة العمليات الكيميائية.
وللتأكد من صحة هذه النظرية، لجأ الباحثون إلى البيانات التجريبية المستقاة من ذباب الفاكهة والفئران. وقد أكدت الملاحظات وجود هذا النمط من التشوه الموجي عند درجات الحرارة المرتفعة، ما وفر الدعم التجريبي للنموذج النظري.
ويتجاوز تأثير هذا التشوه الموجي مجرد الحفاظ على التوقيت الدقيق، حيث وجد الباحثون أنه يلعب دورا حاسما في عملية المزامنة مع البيئة الخارجية. فعندما يصبح التشوه أكثر وضوحا، تكتسب الساعة البيولوجية مزيدا من الاستقرار وتقل حساسيتها للتأثيرات البيئية مثل دورات الضوء والظلام. وهذه النتيجة تكتسب أهمية خاصة في عالمنا الحديث حيث تتعرض أنماط النوم والاستيقاظ للكثير من الاضطرابات بسبب أنماط الحياة المعاصرة.
ويؤكد كوروساوا أن هذه النتائج تفتح آفاقا جديدة للبحث، حيث يمكن الآن التركيز على تحديد الآليات الجزيئية الدقيقة المسؤولة عن إبطاء انحدار مستويات mRNA. كما يقترح الباحث إمكانية وجود اختلافات في درجة التشوه الموجي بين الأفراد والأنواع المختلفة، ما قد يفسر الاختلافات في أنماط النوم والتأقلم مع التغيرات الزمنية.
وعلى المدى البعيد، يمكن أن يصبح قياس درجة التشوه في جينات الساعة البيولوجية أداة تشخيصية قيمة لفهم العديد من الاضطرابات المرتبطة بالإيقاع اليومي، بدءا من الأرق ومرورا باضطراب الرحلات الجوية الطويلة، وصولا إلى تأثيرات الشيخوخة على النوم. كما قد تمتد تطبيقات هذه الاكتشافات إلى مجالات أوسع تتجاوز البيولوجيا، لتشمل أي أنظمة تعتمد على دورات منتظمة.
نشرت الدراسة في مجلة PLOS Computational Biology.
المصدر: ميديكال إكسبريس