آخر الأخبار

في لغة السوشيال ميديا... الكلمة قد تهدم مجتمعًا

شارك

قال الدكتور محمد فضل محمد، إعلامي وأكاديمي سوداني، لا شيء يُوجِع الضمير ويهزّ وجدان المجتمع مثلما تؤذيه لغة السبّ والشتم التي تعجّ بها منصّات التواصل الاجتماعي اليوم. مفردات هابطة، وأساليب منحطّة، وتجاوزات لا تُراعي حرمة دين، ولا مكانة إنسان، ولا يعترف أصحابها بحدود خُلق أو قيمة. ولقد غدت "اللغة السوقية" – مع الأسف – سيدة الموقف، ولم يعد المشهد مقتصرًا على العوام، بل امتدّ إلى بعض المؤثرين الذين يُفترض أن يكونوا قدوة لا أداة هدم.

إنّ الكلمات ليست مجرد حروف عابرة؛ إنها سهام، قد تُصيب كرامة إنسان، وتُشعل فتنة، وتُفسد أجيالًا كاملة. ولذلك قال الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]، وقال سبحانه: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83]، وهو أمر عام يشمل كل قول في كل مقام وعلى كل منصة.

وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم معيار الإيمان مرتبطًا بصلاح اللسان، فقال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت"، وحذّر من خطر الكلمة حين قال: "إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يُلقي لها بالًا يهوي بها في جهنم". فكيف بكلمة تُغرق مجتمعًا في فوضى القيم، وتشيع بين الناس ثقافة هابطة تُعيد تشكيل وعي الجيل القادم على الانحطاط والتجاوز والاستهانة بالكرامة الإنسانية؟

إنّ تكرار هذا المحتوى لا يظل حبيس الشاشات، بل يتحول بمرور الزمن إلى قدوة سلبية وسلوك مُطبّع يردده الأبناء في المدارس والمجالس والبيوت، وهنا تكمن الكارثة. ولذلك كانت مسؤولية المواجهة مسؤولية مجتمع بأكمله، لا فرد ولا جهة. ومن حق المجتمع – بل من واجبه – أن يحمي نفسه من دعاة الفتنة والإسفاف، وقد قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}، وبيّن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث السفينة أن ترك المنكر يُغرق الجميع دون استثناء.

ولهذا فإن تفعيل أنظمة الجرائم المعلوماتية ليس ترفًا تنظيميًا، بل ضرورة لحماية القيم العامة، ومنع انتشار الخطاب الهابط الذي يمزّق النسيج الاجتماعي. وعلى العقلاء وعموم المصلحين التبليغ الفوري عن الحسابات والمحتويات التي تنشر الإسفاف أو التحريض أو الفتنة؛ فالتغاضي عنها يمنحها شرعية غير مباشرة ويُحولها إلى واقع يفرض نفسه.

وفي الختام، فإنّ معركة القيم تبدأ من كلمة، وتنتهي عند مجتمعٍ إمّا أن يبنيه اللسان أو يهدمه. وما لم نتعامل مع المحتوى الهابط بوعي ومسؤولية، ونواجهه بالقانون والنصيحة والإنكار، فإننا سنترك المجال لثقافةٍ تجرّ أبناءنا إلى الانحطاط وتزعزع تماسك مجتمعنا. فلنتذكّر جميعًا أن حرية التعبير لا تعني حرية الإسفاف، وأن صيانة الفضاء الرقمي جزء من صيانة الدين والأخلاق والوطن. إنّ الكلمة أمانة، ومن خان الأمانة أفسد، ومن صانها رفع الله ذكره وأصلح من حوله.

سبق المصدر: سبق
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا