تُعدّ بيوت الشعر في منطقة الحدود الشمالية رمزًا أصيلًا من رموز التراث البدوي، ومع حلول فصل الشتاء تتجدّد مظاهر الأصالة حين تعود هذه البيوت لتزيّن أطراف المدن والسهول والهضاب، حاملةً عبق الماضي ودفء البادية في مواجهة برودة الحداثة.
ورغم تطوّر أنماط السكن وتنوّع خيارات المعيشة، لا تزال بيوت الشعر تحتفظ بمكانتها في وجدان أبناء المنطقة، ويحرص الأهالي على نصبها مع انخفاض درجات الحرارة لتكون مجلسًا دافئًا ومكانًا للقاءات الأسرية والاجتماعية، في أجواءٍ تجمع بين البساطة والدفء.
وتتميّز بيوت الشعر المصنوعة من صوف الماعز بقدرتها العالية على عزل البرد والرياح، مما يجعلها ملاذًا مثاليًا لأجواء الشمال القاسية، وتحافظ على رمزيتها التاريخية بصفتها عنوانًا للكرم والضيافة التي ميّزت حياة البادية عبر الأجيال.
وتُعد صناعة بيوت الشعر حرفةً متوارثة تتقنها النساء في المنطقة، إذ أوضحت الحرفية أم أحمد أن العمل في صناعة البيت يستغرق عدة أيام تبعًا لحجمه وعدد المشاركات، مشيرةً إلى أن الأنواع تختلف بحسب الشكل وعدد الأعمدة، مثل المثلوث والمروبع والمسودس, مفيدة أنها تعلمت هذه المهنة من والدتها وتعمل على توريثها لحفيدتها حفاظًا على استمرار هذا الإرث التراثي.
بدورها بيّنت الحرفية أم سلطان من السوق الشعبية أن أدوات الصناعة تشمل المطرق لتنظيف الشعر، والمخيط الحديدي للخياطة، والأطناب لتثبيت الجوانب، إضافة إلى الأوتار وخيوط الغزل، موضحةً أن الأسعار تختلف بحسب المساحة والنوعية، إذ تبدأ من نحو 1500 ريال وتصل إلى أكثر من 6000 ريال وفقًا للمواصفات وجودة العمل.
وفي السنوات الأخيرة، أصبحت بيوت الشعر عنصر جذبٍ سياحي في المنطقة، ويقبل عليها الزوار من مختلف مناطق المملكة ودول الخليج العربي، للاستمتاع بتجربة الحياة البدوية الأصيلة، وما يصاحبها من فعاليات تراثية وإعداد القهوة العربية على الحطب ومجالس السمر في الليالي الباردة.
وتزخر منطقة الحدود الشمالية بمواقع طبيعية متنوعة تعد وجهات مفضلة لعشاق التخييم والسياحة الصحراوية، من أبرزها الهبكة، ولوقة، والركعا، وزهُوّة، والقرية، والغرّابة، الممتدة من مركز الشعبة شرقًا إلى محافظة طريف غربًا، وتمتزج الأصالة بجمال الطبيعة في مشهدٍ يعكس عمق التراث ودفء المكان.
المصدر:
سبق