كشفت أحدث بيانات المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية للربع الـ 2 من عام 2025 عن مشهد متباين في خريطة القوى العاملة السعودية؛ إذ يعمل أكثر من 80.87% من السعوديين في القطاع الحكومي، بينما لا تتجاوز نسبة السعوديين في القطاع الخاص 19.7% فقط.
وفي المقابل، يشكل غير السعوديين 80.3% من إجمالي العاملين في القطاع الخاص، ما يعكس خللاً هيكلياً في التوزيع الوظيفي، ويطرح تساؤلات جوهرية حول فعالية سياسات التوطين، وجاذبية بيئة العمل في القطاعين، ومستقبل التوازن المنشود في رؤية 2030.
مشهد متباين
تعكس الأرقام الرسمية انقسامًا واضحًا في سوق العمل بين القطاعين العام والخاص. فبينما يستقطب القطاع الحكومي النسبة الأكبر من المواطنين لما يوفره من استقرار وظيفي ومزايا مالية وتأمينية مضمونة، يعتمد القطاع الخاص بشكل شبه كامل على العمالة الوافدة لتشغيل أنشطته الاقتصادية. هذه المفارقة تبرز التحدي المزمن في تحقيق توازن بين استدامة التوظيف الحكومي ومشاركة السعوديين الفاعلة في القطاع الخاص.
تحديات التوطين
رغم جهود وزارة الموارد البشرية وبرامجها مثل «نطاقات» و«قوى»، التي تهدف إلى رفع معدلات التوطين، فإن حضور السعوديين في القطاع الخاص ما يزال محدودًا. النسبة البالغة 19.7% تعكس بطئًا في التحول البنيوي لسوق العمل، وتؤكد وجود فجوة بين مخرجات التعليم ومتطلبات السوق، إلى جانب تحديات تتعلق بتوقعات الأجور وتنافسية العمالة الوافدة منخفضة التكلفة. ويطرح هذا الواقع سؤالًا حول مدى كفاية الأدوات الحالية لتحقيق أهداف التوطين النوعي.
دور الوافدين
تشكل العمالة غير السعودية العمود الفقري للقطاع الخاص بنسبة 80.3%، وتلعب دورًا محوريًا في دعم النمو الاقتصادي خاصة في القطاعات الإنتاجية والمهنية المتخصصة. غير أن هذا الاعتماد الكبير على العمالة الوافدة يفرض تحديًا على إعادة هيكلة سوق العمل نحو توازن مستدام، بحيث يُحافَظ على التنافسية من دون أن يُهمَّش دور الكفاءات الوطنية.
فجوة الجاذبية
يفضل السعوديون الوظائف الحكومية لما تمنحه من أمان وظيفي، وساعات عمل أقل، ونظام تقاعدي مجزٍ، بينما يرى كثيرون أن القطاع الخاص يتطلب جهداً أكبر مقابل مزايا أقل. هذه الفجوة في الثقافة الوظيفية والمردود المادي تجعل القطاع الحكومي الخيار الأول لدى غالبية المواطنين، خاصة في بداياتهم المهنية، وتحدّ من ديناميكية سوق العمل وتنوعه.
طريق التوازن
لتحقيق التوازن المنشود، يتطلب الأمر استراتيجية مزدوجة تشمل تطوير مهارات الكوادر الوطنية من خلال برامج تدريبية مشتركة بين القطاعين، وتقديم حوافز مالية وتشريعية للمنشآت التي تحقق نسب توطين مرتفعة، إلى جانب تعزيز الصورة الإيجابية للقطاع الخاص عبر إبراز قصص النجاح والنماذج الملهمة للسعوديين الذين برزوا فيه.