قال الكاتب والإعلامي محمد بن عائض الهاجري إننا نعيش في زمن أصبحت فيه الشهرة تُنال بضغطة زر، فتحوّلت كثير من المنصات الرقمية إلى ساحاتٍ للجدل، لا لتبادل المعرفة أو الإلهام، بل لإثارة الضجيج وصناعة الجدل المفتعل.
وأوضح الهاجري في مقالٍ نشره بصحيفة اليوم أن بعض من يطلقون على أنفسهم للأسف “صنّاع محتوى” ظنّوا أن الطريق إلى الجماهير يمر عبر كسر القيم، والتعدي على الخصوصيات، والتشهير بالآخرين تحت شعاراتٍ براقة مثل “الشفافية” و”كشف الحقيقة”، غير مدركين أن الحرية الإعلامية لا تعني الفوضى، وأن الكلمة مسؤولية قبل أن تكون وسيلة لجذب المتابعين.
وأضاف أن الإعلام حين يُساء استخدامه يتحوّل من رسالةٍ إلى أداة تشويه، تضيع فيها الحدود بين الترفيه المبتذل والبحث المحموم عن “الترند”. مشيرًا إلى أن ما حدث مؤخرًا من إيقاف بعض الشخصيات الإعلامية بعد تجاوزها للضوابط المهنية ليس قمعًا للرأي، بل هو انتصار للقيم الأخلاقية والمهنية، ورسالة بأن المنصات الإعلامية ليست مرتعًا للفوضى، وأن احترام الذوق العام وكرامة الإنسان خطوطٌ حمراء لا يمكن تجاوزها.
وأكد الهاجري أن ما يجري اليوم من ضبطٍ للمحتوى ومحاسبةٍ للمسيئين هو تصحيح لمسارٍ انحرف، وتأكيد على أن المجتمعات الراقية لا تحتفي بالصوت الأعلى، بل بالفكر الأسمى. فالأضواء لا تدوم إلا لمن يستحقها، والكلمة الصادقة تُخلّد، أما الزبد فيذهب جفاءً.
وشدد على مسؤولية الجهات الإعلامية والرقابية في ترسيخ ثقافة الالتزام، وتفعيل القوانين التي تحدّ من الفوضى الرقمية، حمايةً للمجتمع وصونًا لهيبة الكلمة، مبينًا أن المجتمع الذي لا يحاسب المسيئين يُعرّض نفسه لفوضى أخلاقية تهز توازنه القيمي.
وأشار الهاجري إلى أن المؤلم اليوم أن تُختزل رسالة الإعلام في السباق نحو الشهرة، وأن يصبح عدد المشاهدات مقياسًا للنجاح بدلًا من القيمة والمضمون. فالشخص الذي يعتاش على الإساءة لن يكسب احترام الجمهور مهما حصد من الأرقام، لأن المصداقية لا تُشترى، والاحترام لا يُفرض.
وبيّن أن التجارب أثبتت أن الشهرة الخالية من الأخلاق لا تدوم، وأن من يتسلّق على حساب سمعة الآخرين يسقط من عين المجتمع قبل أن يسقط قانونًا، فالمحتوى الهادف لا يحتاج إلى فضائح ولا افتعال، بل إلى صدقٍ ووعيٍ ورسالةٍ نبيلة.
وقال الهاجري: “على الإعلامي، أيًا كانت منصته، أن يكون قدوة تعكس وعي المجتمع لا أن تُسيء إليه، فالإعلام ليس مهنة من لا مهنة له، ولا ساحة لتصفية الحسابات أو السخرية من الناس. الإعلام رسالة وضمير ومؤسسة أخلاقية قبل أن يكون وسيلة ترفيه أو مكسبًا ماديًا”.
وأضاف: “إن ضبط الفوضى الرقمية ومحاسبة المسيئين حمايةٌ للمجتمع وردعٌ لكل من يظن أن الشهرة تُبرر التجاوز، فالمجتمع الذي لا يصون قيمه سيتحوّل إلى غابةٍ إلكترونية لا مكان فيها للحق ولا للحياء”.
وختم الهاجري مقاله مؤكدًا أن الشهرة التي تُطلب بأي ثمن سيدفع أصحابها الثمن من سمعتهم أولًا ومن احترام الناس لهم أخيرًا، قائلًا: “الإعلام بلا أخلاق كالسفينة بلا بوصلة؛ تضل الطريق وتغرق بأصحابها.
والشهرة الحقيقية ليست في عدد المتابعين، بل في أثر الكلمة، ونقاء الرسالة، واحترام الإنسان للإنسان.