مع دخول فصل الخريف وتراجع ذروة حرارة الصيف عن مياه البحر الأحمر، تنفتح أمام شعاب المنطقة نافذة بيئية للتعافي، إذ يُعدّ البحر الأحمر من أكثر بحار العالم تميزًا بتنوعه الشعابي، فهو رابع أكبر نظام للشعاب المرجانية في العالم، ويضم نحو 6.2% من الشعاب المرجانية على كوكب الأرض.
ويحتضن البحر الأحمر أكثر من 310 أنواع من الشعاب المرجانية، منها 270 نوعًا من المرجان الصلب و40 نوعًا من المرجان اللين، وتغطي الشعاب المرجانية في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن مساحة تقارب 13,605 كيلومترات مربعة، وتشير الدراسات إلى قدرة هذه الشعاب على تحمل درجات الحرارة المرتفعة، ما يجعلها ملاذًا محتملًا للشعاب المرجانية العالمية في مواجهة آثار التغير المناخي.
ومن الناحية العلمية، فإن الإجهاد الحراري يؤدي إلى طرد الطحالب التكافلية (الزوكسنتيلا) من أنسجة المرجان، مما يسبب ظاهرة الابيضاض، ومع عودة درجات الحرارة إلى مستوياتها المعتدلة، تتاح للشعاب المرجانية فرصة استعادة الطحالب وإعادة الحيوية إليها، وهي آلية أثبتتها تقارير الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، وعدد من الدراسات العلمية المتخصصة حول تعافي الشعاب المرجانية.
وفي السياق ذاته، أولت المملكة عناية فائقة اتجاه استدامة البحر الأحمر والحفاظ على بيئته، بما في ذلك الشعاب المرجانية، ففي ديسمبر 2024 أطلق صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله- الإستراتيجية الوطنية لاستدامة البحر الأحمر، التي تهدف إلى حماية النظام البيئي البحري وتعزيز الاقتصاد الأزرق المستدام، كما تعمل الهيئة السعودية للبحر الأحمر بالتعاون مع منظومة البيئة والجهات المعنية على وضع آليات للحفاظ على البيئة البحرية وصونها للأجيال القادمة.
ومن هنا، لا يُعدّ فصل الخريف مجرد موسمٍ من فصول السنة، بل هو فرصة علمية وميدانية ثمينة لاستثمار اعتدال حرارة المياه في إعادة الحياة إلى شعاب البحر الأحمر، وبفضل الجهود التكاملية والتنسيق المشترك بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص والقطاع الثالث، تتواصل المساعي لضمان بقاء هذا الإرث البحري الفريد للأجيال القادمة.