في مدينة غزة، حيث يتردد صدى القصف كالزلازل المتواصلة، يواجه السكان خياراتٍ شبه مستحيلة بين البقاء تحت النار أو الهروب إلى المجهول، فمنذ فجر أمس تصاعدت الاجتياح الإسرائيلي للمدينة مخلفاً قتلى وجرحى يُنقلون إلى مجمع الشفاء الطبي وسط ظروف كارثية، فلماذا يُجبر أكثر من مليون فلسطيني على اتخاذ قرارات مصيرية في ظل الحرب؟
وتصف فاطمة الزهراء، الباحثة الإعلامية البالغة من العمر 40 عامًا، القصف بأنه "زلزال لا يتوقف"، حيث ترتج الأرض تحت وطأة الانفجارات، ونزحت عائلتها 19 مرة خلال الحرب، وهم الآن عالقون في مدينة غزة، حيث يطالب جيش الاحتلال الإسرائيلي المدنيين بالتوجه جنوبًا عبر طريق الساحل الرشيد، لكن هذا الممر، المكتظ باليائسين، ليس خيارًا عمليًا للجميع، فتكاليف التنقل الباهظة، ونقص الخيام، وصعوبة نقل الممتلكات تجعل الهروب عبئًا لا يُطاق، وتقول الزهراء: "إذا غادرت، سأذهب إلى المجهول، بلا مأوى أو موارد"، وفقاً لصحيفة "الجارديان" البريطانية.
وتتفاقم معاناة السكان مع استمرار القصف في الجنوب، الذي يُروَّج له كـ"منطقة إنسانية"، لكنه في الواقع ليس ملاذًا آمنًا، وتروي الزهراء تجربتها في الجنوب: "العيش في خيمة مع الحشرات والرمال وحرارة الصيف وبارد الشتاء كان لا يُحتمل"، وأكثر من 90% من سكان غزة نزحوا مرات عديدة، ومع كل نزوح، تتضاعف الأعباء النفسية والمادية.
يوسف المشهراوي، المصور وصانع الأفلام البالغ من العمر 32 عامًا، يواجه التحدي ذاته، يحتمي مع عائلته في حي النصر، حيث يتزايد خطر البقاء مع كل ضربة جوية، ويصف الليلة الماضية بأنها "مرعبة"، مع قصف متواصل كل 45 دقيقة إلى ساعة. لكنه، مثل الزهراء، يرفض العودة إلى الجنوب، حيث عاش تجربة مريرة في ظل ادعاءات كاذبة عن "مناطق آمنة"، ويقول: "لا توجد منطقة آمنة حقًا في القطاع، سواء في الشمال أو الجنوب."
وتكمن المأساة في استحالة تقدير احتمالات البقاء، فالبقاء في مدينة غزة يعني مواجهة القصف المباشر، بينما الهروب إلى الجنوب يعني التعرض لمخاطر مماثلة، إضافة إلى الظروف المعيشية القاسية، ويشدد المشهراوي: "النزوح يترك أثرًا نفسيًا عميقًا. لا أحد يرغب في أن يكون نازحًا".
وتتوق النفس البشرية إلى الاستقرار، كما تقول الزهراء: "أريد جدارًا صلبًا أتكئ عليه، لا قطعة قماش"، هذا الشعور يعكس رغبة السكان في استعادة الحياة الطبيعية، رغم استحالة ذلك في ظل الحرب، ويواجه السكان خيارًا بين البقاء تحت القصف أو الهروب إلى مناطق لا تقل خطورة، فهل يمكن لأي إنسان أن يجد مخرجًا من هذا المأزق؟