كشف تقرير حديث صادر عن الهيئة العامة للري، أن المملكة أنتجت خلال عام 2024 أكثر من 2.06 مليار متر مكعب من مياه الصرف الصحي المعالجة، غير أن ما تمت إعادة الاستفادة منه لم يتجاوز 554 مليون متر مكعب فقط، أي بمعدل 26.9%.
وأفصحت البيانات عن وجود تفاوت كبير بين المناطق؛ إذ حققت مناطق مثل المدينة المنورة نسبًا مرتفعة في إعادة الاستخدام قاربت 69%، فيما سجلت مناطق أخرى مستويات متدنية لا تتجاوز 16%. هذه الأرقام، التي تعكس التحديات والفرص معًا، تضع ملف المياه المعالجة في دائرة الاهتمام بوصفه أحد محاور الأمن المائي والاستدامة في المملكة.
الإنتاج والاستخدام
بحسب التقرير الصادر عن الهيئة، فإن ثلاثة أرباع المياه المعالجة خلال العام لم تدخل دائرة الاستفادة المباشرة. ورغم أن حجم الإنتاج الكلي تجاوز ملياري متر مكعب، إلا أن الاستخدام الفعلي بقي محدودًا. ويؤكد خبراء المياه أن هذا الفارق يعكس الحاجة إلى تطوير شبكات نقل المياه المعالجة وربطها بمشاريع الزراعة والري الحضري.
مناطق متقدمة
أظهرت بيانات التقرير أن المدينة المنورة تصدرت قائمة المناطق بنسبة إعادة استخدام بلغت 68.6% من إنتاجها، تلتها الجوف بنسبة 53%، ثم القصيم، وعسير، وحائل بمعدلات تقارب 40%. وتشير هذه الأرقام إلى وجود استثمارات وبنى تحتية قادرة على استيعاب المياه المعالجة وتوظيفها في أغراض تنموية وزراعية.
مناطق متأخرة
في المقابل، سجلت مناطق مثل جازان وتبوك والحدود الشمالية نسبًا لم تتجاوز 18%، بينما جاءت مناطق الإنتاج الأعلى في الرياض، ومكة المكرمة، والشرقية بنسب متوسطة بين 19–29%. ويشير التقرير إلى أن ضخامة الإنتاج في هذه المناطق لا يواكبه مستوى مماثل من الاستفادة، ما يعكس تحديات مرتبطة بالطلب والقدرة التشغيلية لشبكات إعادة التوزيع.
اتجاهات زمنية
وأظهرت بيانات التقرير أن أشهر أغسطس وسبتمبر وأكتوبر حققت أعلى معدلات إعادة الاستخدام بنسب قاربت 29%، بينما تراجعت المعدلات في الربع الأول إلى حدود 25%. ويربط مختصون هذا التفاوت بالطلب الزراعي الموسمي، حيث يزداد الاعتماد على المياه المعالجة في مواسم الري المكثف.
بعد إستراتيجي
وخلصت بيانات التقرير إلى أن الفجوة بين الإنتاج والاستخدام لمياه الصرف المعالجة تكشف تحديات بنيوية في شبكات النقل والتوزيع، لكنها تفتح في الوقت ذاته آفاقًا لتعزيز الأمن المائي والغذائي، وجعل المياه المعالجة رافدًا إستراتيجيًا في مسار التنمية المستدامة. لذا فإن رفع معدلات إعادة استخدام المياه المعالجة بات ضرورة إستراتيجية، خصوصًا في ظل محدودية الموارد المائية الطبيعية. فإلى جانب البعد البيئي، تحمل إعادة الاستخدام أبعادًا اقتصادية وزراعية وأمنية، تجعلها ركيزة أساسية في خطط المملكة لتحقيق الاستدامة المائية والغذائية على المدى البعيد.