سلّطت ورشة عمل بعنوان "نقوش تتكلم عن أمم عبرت"، الضوء على ملامح الحياة البشرية في العصور القديمة، مؤكدة الدور المحوري للنقوش الصخرية في توثيق تحولات الإنسان والمجتمع والبيئة في الجزيرة العربية، وذلك ضمن فعاليات البرنامج الثقافي لمعرض المدينة المنورة للكتاب 2025.
وقدّمت الورشة الدكتورة سارة الدوسري، المتخصصة في التراث المادي، وسط حضور نوعي من المهتمين بعلم الآثار وزوار المعرض، في فعالية تفاعلية امتزج فيها الطرح العلمي بالعروض البصرية والمتحفية المصغرة.
وتناولت الدوسري بالنقاش تحليلاً لنقوش تعود إلى العصر الحجري الحديث، موضحة أنها لا تمثل رسومات عشوائية بل وثائق حية تروي قصص الإنسان القديم، وهجراته، وعلاقته بالمناخ، وممارساته الاقتصادية التي اعتمدت على الصيد والرعي والزراعة. وأشارت إلى أن الهجرات في منطقة المدينة المنورة تأثرت آنذاك بوفرة الأمطار، مما ساعد على ازدهار الغطاء النباتي وتحفيز الاستيطان.
وبيّنت أن استخدام الأدوات الحجرية المصقولة، مثل الفؤوس والمناجل، أسهم في الانتقال من حياة الترحال إلى نماذج أولية من الاستقرار، مع بدء بناء المساكن واستغلال الموارد الطبيعية. كما شرحت أنماط التنقل الموسمي التي اعتمدها الإنسان القديم بين الأودية والمرتفعات تكيّفًا مع التغيرات المناخية.
واستعرضت الورشة تصورًا تفصيليًا للبنية الجسدية والملبس في العصور القديمة، كما وثقت الحيوانات المصاحبة للإنسان بدقة لافتة من حيث الحجم والتكوين، ما عكس حسًا فنيًا ووصفًا علميًا متقدمًا.
وتطرقت الدوسري إلى مواقع أثرية تعود للعصر الحجري الوسيط، موضحة أن النشاط البشري ارتبط بوفرة الماء، وقدمت خريطة توضح شبكة الأنهار القديمة في قلب الجزيرة العربية ومسارات الهجرات البشرية المرتبطة بها.
واختتمت الورشة باستعراض "أسلوب جُبّة" في الفنون الصخرية، باعتباره من أقدم أشكال التعبير الفني في شبه الجزيرة، ويرجع تاريخه إلى ما بين 5000 و7000 سنة قبل الميلاد، مؤكدة أن هذه النقوش تُعد وثائق أنثروبولوجية تسهم في تتبع تطور الوعي والثقافة في المنطقة.
وتندرج الورشة ضمن سلسلة فعاليات معرض المدينة المنورة للكتاب 2025 في نسخته الرابعة، الذي تنظمه هيئة الأدب والنشر والترجمة، ويتواصل حتى الرابع من أغسطس، يوميًا من الثانية ظهرًا حتى منتصف الليل، في مشهد ثقافي يعكس ثراء التراث الوطني وامتداداته المعرفية.