تحوّلت مراكز توزيع المساعدات في جنوب قطاع غزة إلى مسرح لمأساة دامية، حيث قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلية اليوم (السبت) ما لا يقل عن 32 فلسطينيًا وأصابت أكثر من 100 آخرين أثناء سعيهم للحصول على الطعام. الحادث، الذي وصفه شهود عيان بـ"المجزرة"، وقع بالقرب من مركزين تديرهما مؤسسة غزة الإنسانية المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل، مما يكشف عن عمق الأزمة الإنسانية وتصاعد العنف ضد المدنيين الجوعى في القطاع المحاصر.
شهود عيان أفادوا بأن قوات الاحتلال الإسرائيلية أطلقت النار بشكل عشوائي على حشود من الفلسطينيين، معظمهم من الشباب، أثناء توجههم نحو مراكز توزيع المساعدات في منطقة التينة شرق خان يونس وشمال غرب رفح. وأكد محمود بصل، المتحدث باسم وكالة الدفاع المدني، أن معظم الوفيات نجمت عن إطلاق نار إسرائيلي مباشر. واستقبل مستشفى ناصر في خان يونس 25 جثة وعشرات الجرحى، بينما لقي تسعة آخرون مصرعهم قرب مركز في رفح. وأشار شهود إلى أن الأطفال والمراهقين كانوا بين الضحايا، مما يزيد من فداحة الحادث.
وأكد الدكتور عاطف الحوت، مدير مستشفى ناصر، أن عدد الضحايا غير المسبوق في فترة زمنية قصيرة فاق قدرة المستشفى على الاستجابة. وأوضح لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن نقص المعدات الطبية والأدوية والكوادر البشرية يعيق تقديم العلاج اللازم. وبيّن الدكتور محمد صقر، رئيس قسم التمريض، أن معظم الضحايا أُصيبوا برصاص في الرأس والصدر، مما يشير إلى شدة الهجوم، وأشار إلى أن وحدة العناية المركزة المكتظة بالفعل تكافح لاستيعاب الجرحى.
ووصف محمود موكيمار، أحد الناجين، كيف أطلقت قوات الاحتلال طلقات تحذيرية قبل أن تفتح النار مباشرة على الحشود المتجهة نحو مركز التوزيع. وقال: "كانت مجزرة، رأيت جثثًا ملقاة على الأرض وجرحى يفرون". وأكد أكرم عكر أن الجنود استخدموا مدافع رشاشة مثبتة على دبابات وطائرات مسيرة بين الساعة 5 و6 صباحًا، محاصرين الحشود قبل إطلاق النار. وأضافت سناء الجابري (55 عامًا) أنها شاهدت العديد من القتلى والجرحى أثناء فرارها، مشيرة إلى أن قوات الاحتلال لم تتفاوض بل فتحت النار فورًا.
ونفت مؤسسة غزة الإنسانية وقوع أي حوادث داخل مواقعها، مؤكدة أن إطلاق النار حدث بعيدًا عن مراكزها وقبل ساعات من فتحها، وحذّرت من سفر طالبي المساعدات ليلًا أو في الصباح الباكر. فيما أعلن الجيش الإسرائيلي أنه أطلق طلقات تحذيرية قرب رفح، بزعم اقتراب مجموعة من المشتبه بهم من القوات، وأشار إلى أنه يحقق في الحادث الذي وقع أثناء إغلاق مركز التوزيع.
ويعيش أكثر من مليوني فلسطيني في غزة أزمة إنسانية كارثية، حيث يواجه السكان خطر المجاعة. ويُوصف توزيع المساعدات في مراكز المؤسسة بـ"الفوضى المميتة"، حيث شهدت الأيام السابقة حوادث تدافع أودت بحياة 19 شخصًا. ويستمر العنف ضد المدنيين في التصاعد، فهل ستتمكن المفاوضات الجارية بين إسرائيل وحركة حماس، التي تتضمن هدنة مؤقتة وتبادل رهائن، من تخفيف هذا الواقع المروّع؟