أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور بندر بن عبدالعزيز بليلة المسلمين بتقوى الله وعبادته، والتقرب إليه بطاعته بما يرضيه وتجنب مساخطه ومناهيه.
وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام: إن الله عز وجل أودَعَ في بني آدم من الغرائز والشهوات، والميل والرغبات، ما صيَّر ذلك مناطًا للتكليف بالأوامر والمنهيات، وكتب عليهم حظهم من المخالفات، ابتلاءً منه واختبارًا، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون".
وأوضح الشيخ بندر بليلة أن من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده أن أنزل عليهم كتبه، وأرسل إليهم رسله، ولم يعاجلهم بالعقوبة، قال تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [فاطر: 45]، وانتدبهم إلى التوبة، ودعاهم إلى الأوبة، ووعدهم سبحانه بمغفرة الذنوب وتكفير السيئات.
وحثّ فضيلته عباد الله على التلطّف بعباد الله، والإحسان إليهم، والشفقة عليهم، تأسيًا بهدي رسول الله ﷺ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن أعرابيًّا بال في المسجد، فثار إليه الناس ليقعوا به، فقال لهم رسول الله ﷺ: "دعوه، وأهريقوا على بوله ذنوبًا من ماء أو سجلًا من ماء، فإنما بُعثتم ميسّرين ولم تُبعثوا معسّرين".
وحذر فضيلة الشيخ بندر بليلة من أن يكون المؤمن عقبةً يصدّ عن سبيل الله، أو حجر عثرة يُنفّر من دين الله، أو حاجزًا يحول دون الوصول إلى الله، وهو لا يشعر. فالله وحده هو من يعلم ما في القلوب من إيمان ويقين وصدق ومحبة، ومهما تلبّس العبد بالمعاصي، يبقى الحكم لله.
وبيّن فضيلته أن الغيرة على الدين والغضب للشرع قد تحمل بعض أهل الإيمان على مجاوزة الحد في الإنكار، وتعدّي المشروع، وربما يقع البعض – نسأل الله السلامة – فيما هو من خصائص الربوبية.
وساق فضيلته حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ في قصة الرجلين من بني إسرائيل، أحدهما كان مجتهدًا في العبادة والآخر مسرفًا على نفسه، فقال الأول للآخر يومًا: "والله لا يغفر الله لك"، فأمر الله بقبض روحيهما، فقال للمذنب: "اذهب فادخل الجنة برحمتي"، وقال للمجتهد: "أكنت بي عالمًا؟ أكنت على ما في يدي قادرًا؟ اذهبوا به إلى النار"، ثم قال ﷺ: "فوالذي نفس أبي القاسم بيده، لقد تكلّم بكلمة أوبقَت دنياه وآخرته".
واختتم فضيلته الخطبة مؤكدًا أن بعض صور إنكار المنكر لا تتعارض مع الشفقة بالمذنب والرحمة بالعاصي، بل إن الجمع بينهما دليل على كمال الإيمان، كما كان عليه رسول الله ﷺ.