ليلة أمس، شن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضربات جوية مدمرة على ثلاثة مواقع نووية إيرانية حساسة، مستخدمًا قاذفات الشبح B-2، وهذه الضربات - التي وصفتها طهران بالعدوان الوحشي - تُمثل لحظة تحول تاريخية في الشرق الأوسط، تهدف إلى سحق طموحات إيران النووية، لكن الرهان يحمل في طياته بذور حرب عالمية، خاصة مع تحذير ترامب الأخير: "سلام.. أو مأساة أكبر".
ويرى مراقبون أن ليلة الهجوم تلك قد تُسجل في التاريخ كلحظة تحول جذري، حيث يُرفع التهديد النووي عن كاهل إسرائيل، وتقلص النفوذ الإيراني، بينما تتعاظم الهيمنة الأمريكية، ولكن، إذا أخفقت هذه المقامرة الجريئة في تدمير طموحات إيران النووية بالكامل، فإن ترامب، الذي طالما اتُهم بتحدي الأعراف والقوانين، قد يكون قد وضع الولايات المتحدة والعالم على مسار كارثي، والخطر الأكبر يتمثل الآن في رد فعل إيراني عنيف ضد القوات أو المصالح أو حتى المدنيين الأمريكيين، ما قد يشعل فتيل حرب واسعة النطاق، وفقًا لشبكة "سي إن إن" الأميركية.
وضع ترامب، بهذا الهجوم، إرثه السياسي ومستقبل الأمن العالمي على المحك، دون أي قدرة على التنبؤ بكيفية تطور الأحداث، خاصة بعد أن اصطفت واشنطن بشكل كامل خلف الهجوم الإسرائيلي المبدئي على إيران، ومن المفارقات أن الرجل الذي وصل إلى سدة الحكم متعهدًا بإنهاء الحروب، يبدو وكأنه أشعل فتيل حرب جديدة.
وجه ترامب تحذيرًا شديد اللهجة لقادة طهران، مؤكدًا أنه إذا لم تستوعب إيران الهجوم الأمريكي على ثلاثة مواقع نووية رئيسية، ولم تلزم الصمت، فإن الأسوأ قادم لا محالة، وأضاف في خطابه من البيت الأبيض، محاطًا بنائبه جيه دي فانس ووزيري الخارجية ماركو روبيو والدفاع بيت هيغسيث: "إيران، متنمرة الشرق الأوسط، عليها الآن أن تصنع السلام. وإلا، فإن الهجمات المستقبلية ستكون أشد وطأة بكثير".
وتمثل هذه الضربات الجوية استعراضًا للقوة الأمريكية الصارمة وأحادية الجانب، وتتويجًا لعقود من العلاقات المتأزمة مع طهران منذ الثورة عام 1979، ولكن، كما تشير تجارب التاريخ، فإن بدء الحروب أسهل بكثير من إنهائها، وغالبًا ما تتحطم الافتراضات التكتيكية الأمريكية حول القدرة على احتواء تداعيات عمليات "الصدمة والترويع" على صخرة الواقع المرير في الشرق الأوسط.
لقد أرسل ترامب القوات الأمريكية إلى أتون المواجهة دون الحصول على تفويض من الكونغرس، أو حتى تهيئة الرأي العام الأمريكي، متجاهلاً أهمية حشد الحلفاء، وكان قد صرح الخميس الماضي بأنه سيتخذ قرارًا بشأن إيران خلال أسبوعين، لكنه لم ينتظر طويلاً ليأمر بالضربة، ولم يقدم ترامب أي دليل ملموس للرأي العام العالمي يدعم مزاعمه بأن إيران كانت على وشك امتلاك سلاح نووي، متجاهلاً تقييمات أجهزته الاستخباراتية، التي أشارت إلى أن طهران لا تزال بعيدة عن هذا الهدف بسنوات.
"لا أحد يعلم على وجه اليقين مآلات هذا التصعيد"، هكذا علق بريت ماكغورك، المسؤول الأمريكي السابق والخبير بشؤون الشرق الأوسط، لشبكة "سي إن إن"، مضيفًا أن "أي شخص يدعي معرفته بالسيناريوهات المتوقعة، سواء كانت متفائلة أو متشائمة، فهو لا يعي ما يقول".
وتتركز الأنظار الآن على قدرة إيران ورغبتها في الرد على الأهداف الأمريكية، وورغم إعلان ترامب نجاح المهمة، يبقى الغموض سيد الموقف بشأن تدمير كامل مخزون إيران من اليورانيوم المخصب، ويصعب تصور أن المرشد الإيراني علي خامنئي، الذي تعرض لإهانة بالغة في قضية يعتبرها جوهرية لسيادة بلاده، سيلتزم الصمت.
لدى طهران خيارات متعددة، رغم تضرر ترسانتها الصاروخية ووكلائها، مثل إغلاق مضيق هرمز، أو تحريك وكلائها في العراق وسوريا لمهاجمة القوات الأمريكية، وكل هذه الخيارات تحمل في طياتها خطر جر الولايات المتحدة إلى مواجهة شاملة، وداخليًا، قد تؤدي هذه الضربات إلى اضطرابات تهدد النظام، أو قد تدفعه إلى مزيد من القمع، بينما يظل شبح حروب العراق وأفغانستان الطويلة والمكلفة حاضرًا في الأذهان، لقد قرر ترامب أن خطر القنبلة الإيرانية المحتملة يفوق كارثية تداعيات محاولة منعها، وهو ما يمثل انتصارًا كبيرًا لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي راهن على أن ترامب سيغتنم الفرصة للقضاء على برنامج إيران النووي، يبقى السؤال الأهم: هل ستنجح هذه المقامرة الخطيرة، أم ستجر المنطقة والعالم إلى المجهول؟