في خطوة مفاجئة ومستغربة، رفض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمس تقييمات مجتمع الاستخبارات التي تؤكد عدم سعي إيران لامتلاك سلاح نووي، ويتوافق هذا الرفض تمامًا مع الرؤية الإسرائيلية، التي يمثلها بنيامين نتنياهو، الداعية إلى ضرورة توجيه ضربة استباقية للمنشآت النووية الإيرانية، وموقف ترامب يضع واشنطن على شفا مواجهة محتملة مع إيران في الشرق الأوسط، وتثير تساؤلات جدية حول مستقبل العلاقات بين القيادة السياسية ومجتمع الاستخبارات، وتداعيات ذلك على استقرار المنطقة برمتها.
وأثارت تصريحات ترامب جدلاً واسعاً، خاصة بعد أن تجاهل صراحة تقييم تولسي جابارد مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية، التي أكدت في شهادتها أمام الكونجرس أن "أجهزة الاستخبارات لا تزال تقيّم أن إيران لا تبني سلاحاً نووياً، وأن المرشد علي خامنئي لم يأذن ببرنامج الأسلحة النووية الذي علقه في عام 2003"، ورد ترامب على هذا التقييم بالقول: "لا يهمني ما قالته. أعتقد أنهم كانوا قريبين جداً من امتلاك واحد"، وهذا الموقف الصريح يعزز التوافق مع رؤية نتنياهو، الذي حذر مراراً من خطط إيران "الوشيكة" لإنتاج أسلحة نووية، مشدداً على ضرورة توجيه ضربة استباقية إسرائيلية، وربما أمريكية، لإغلاق برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني نهائياً، وفقاً لصحيفة "الجارديان" البريطانية.
وهذا الموقف الذي اتخذه ترامب يعزل جابارد بشكل كبير، التي اختارها بنفسه لقيادة مجتمع الاستخبارات، وتحديدًا بسبب تشككها في التدخلات الأمريكية السابقة في الشرق الأوسط، وفي مجتمع الاستخبارات الأوسع الذي وصفه ترامب بـ"الدولة العميقة"، وحاولت جابارد التخفيف من حدة هذا الانقسام، مؤكدة لشبكة "سي إن إن" أن ترامب "كان يقول نفس الشيء الذي قلته في تقييمي السنوي للتهديدات في مارس (آذار) الماضي"، مضيفة أن "الكثير من الناس في وسائل الإعلام لا يهتمون بقراءة ما قلته بالفعل"، لكن مع اقتراب إدارة ترامب من ضربة محتملة لإيران، يبدو أن تقييمات جابارد حول عدم قرب إيران من تحقيق اختراق نووي أصبحت غير ملائمة بشكل واضح.
وكتب ترامب في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي أمس: "استسلام غير مشروط!"، وقد أرسلت الولايات المتحدة بالفعل مجموعة حاملة طائرات إضافية، وناقلات وقود من طراز KC-135، ومقاتلات إضافية إلى المنطقة، وأفادت وسائل إعلام أمريكية بأن هذه الأصول أُرسلت لمنح ترامب "المزيد من الخيارات" للتدخل المباشر في الصراع، وهذه التطورات تثير تساؤلات حادة حول مصداقية المعلومات الاستخبارية بشأن قدرة إيران على امتلاك سلاح نووي، خاصة إذا مضت الولايات المتحدة قدماً في ضربة قد تشعل صراعاً جديداً يعيد تشكيل الشرق الأوسط، ويعيد تعريف رئاسة ترامب التي وعدت بإنهاء "الحروب الأبدية".
وصرح الجنرال مايكل إريك كوريلا رئيس القيادة المركزية الأمريكية، الذي دعا بقوة إلى موقف أكثر صرامة تجاه إيران، لأعضاء لجنة الخدمات المسلحة في مجلس النواب الأسبوع الماضي أن إيران يمكن أن تمتلك ما يكفي من اليورانيوم المستخدم في الأسلحة لـ"ما يصل إلى 10 أسلحة نووية في ثلاثة أسابيع"، لكن تقريراً لشبكة "سي إن إن" أمس تحدى هذا الادعاء، وذكرت أربعة مصادر مطلعة على تقييم استخباراتي أمريكي أن إيران "لا تسعى بنشاط للحصول على سلاح نووي"، وأن البلاد "على بعد ثلاث سنوات من القدرة على إنتاج وتسليم واحد إلى هدف من اختيارها"، وهذا التباين في التقييمات الاستخباراتية يعكس التشكك المستمر حول قدرة إيران على تحقيق اختراق نووي.
وعقد ترامب الأحد الماضي مناقشة سياسية مع جميع كبار أعضاء حكومته حول الأمن القومي، لكن جابارد لم تكن حاضرة، واعتبر غيابها علامة على أن السياسة الأمريكية تتجه نحو موقف أكثر صرامة تجاه إيران، وبعد أيام من اجتماع كامب ديفيد، أصدرت جابارد مقطع فيديو غريباً حذرت فيه من خطر الحرب النووية، قائلة إن هذه هي "حقيقة ما هو على المحك، وما نواجهه الآن". وأضافت: "لأننا، ونحن نقف هنا اليوم، أقرب إلى حافة الفناء النووي من أي وقت مضى، فإن النخبة السياسية ودعاة الحرب يثيرون الخوف والتوترات بين القوى النووية بلا مبالاة"، وقد تكون هذه التصريحات تشير إلى تورط الولايات المتحدة في الصراع بين روسيا وأوكرانيا، لكن يبدو أن السياسة الأمريكية تجاه إيران تتغير بسرعة، وأن المعارضين المعلنين للتدخلات الخارجية يبدأون في التماشي مع الخط الجديد لتجنب فقدان نفوذهم في إدارة ترامب.
وقال نائب الرئيس جيه دي فانس، الذي دعا علناً الولايات المتحدة إلى تجنب التدخلات المكلفة في الخارج، ولكنه ظل صامتاً بشأن إيران: "قد يقرر ترامب أنه يحتاج لاتخاذ المزيد من الإجراءات لإنهاء التخصيب الإيراني، وهذا القرار في النهاية يعود للرئيس"، ويبقى السؤال الأهم: هل ستؤدي هذه التطورات إلى تغيير جذري في استراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة، وما هي التداعيات المحتملة لذلك على الأمن الإقليمي والعالمي؟