في تصعيد لافت، دفع الرئيس دونالد ترامب بمئات إضافية من قوات الحرس الوطني إلى شوارع لوس أنجلوس، لقمع الاحتجاجات الواسعة التي اندلعت ضد حملات ترحيل المهاجرين التي تنفذها إدارته، وهذه الخطوة، التي تمت بتجاوز اعتراضات حاكم كاليفورنيا الديمقراطي جافين نيوسوم، لم تزد المشهد إلا اشتعالاً، مكرسةً تعهد ترامب خلال حملته الانتخابية بانتهاج أقصى درجات الحزم في تطبيق قوانين الهجرة، وتُعد هذه المرة الأولى منذ ستة عقود التي يتم فيها استدعاء الحرس الوطني لولاية كاليفورنيا دون موافقة حاكمها، في خطوة تعيد إلى الأذهان، بل وتتجاوز، تعامله مع احتجاجات سابقة، مُنذرةً باختبار غير مسبوق لحدود السلطة التنفيذية.
ويضيف تحرك ترامب بنشر الحرس الوطني، ودعمه بقوات من الخدمة الفعلية، فصلاً جديداً إلى سجل إدارته في التعامل مع المعارضة الداخلية، فبتجاوزه الصريح لحاكم كاليفورنيا، يتخطى ترامب الإجراءات التي اتخذها خلال احتجاجات "حياة السود مهمة" عام 2020، حين ربط تدخل القوات الفيدرالية بطلب من حكام الولايات.
لكن يبدو أن الحسابات قد تغيرت، إذ يتحرك ترامب الآن بسرعة لافتة، مُظهراً القليل من القيود الداخلية لاختبار مدى مرونة سلطاته التنفيذية، بهدف تحقيق وعده بعمليات ترحيل جماعية، ويبقى السؤال معلقاً حول مدى الدعم الشعبي الذي سيحظى به هذا النهج عند تعميمه على مستوى البلاد، خاصة مع سعيه لتأمين مليارات الدولارات من الكونغرس لتوسيع عمليات الاحتجاز والترحيل بشكل جذري، وفقًا لـ"أسوشيتد برس".
وفي الوقت الراهن، يراهن ترامب على أن ميزان الرأي العام سيميل لصالحه، حيث قال للصحفيين أمس، معلقاً على الأوضاع في كاليفورنيا: "لو لم نقم بالمهمة، لكان هذا المكان يحترق"، مضيفاً: "أشعر أنه لم يكن لدينا خيار... لا أريد أن أرى ما حدث مرات عديدة في هذا البلد".
واندلعت شرارة الاحتجاجات يوم الجمعة الماضي إثر قيام السلطات الفيدرالية باعتقالات لمهاجرين في مواقع متفرقة بلوس أنجلوس، بما في ذلك منطقة الأزياء ومتجر "هوم ديبوت"، وسرعان ما امتد لهيب الغضب إلى مدن أخرى مثل شيكاغو وبوسطن، بينما استمرت المظاهرات في جنوب كاليفورنيا .
وإدارة ترامب، من جانبها، لم تُظهر أي تراجع، بل استثمرت صور السيارات المحترقة والكتابات على الجدران والأعلام المكسيكية – التي بدأت تُستخدم كصور رمزية للاضطرابات رغم عدم هيمنتها – لتعزيز خطابها الداعي لفرض القانون والنظام.
وفي المقابل، أظهر قادة كاليفورنيا، الولاية الأكثر اكتظاظاً بالسكان، تحدياً مماثلاً، فقد رفعت سلطات الولاية دعوى قضائية ضد إدارة ترامب، حيث جادل المدعي العام روب بونتا بأن نشر القوات "داس على سيادة الولاية"، مطالباً بأمر قضائي يوقف هذا الانتشار الذي بدأ بـ 300 جندي ومن المتوقع أن يتوسع ليشمل 4000 جندي.
ووصف السيناتور الديمقراطي البارز عن الولاية أليكس باديلا، الوضع بأنه "أزمة من صنع ترامب نفسه"، مؤكداً أن نشر الحرس الوطني لن يؤدي إلا إلى تصعيد التوترات، وهو ما يريده ترامب بالضبط، وانتقد باديلا عدم إخطار إدارة شرطة مقاطعة لوس أنجلوس مسبقاً، مشيراً إلى أن البنتاغون نفسه يبدو غير متأكد من طبيعة المهمة.
ويشكل النشر السريع للقوات في كاليفورنيا ضد من وصفهم ترامب بـ "المتمردين" على وسائل التواصل الاجتماعي تناقضاً صارخاً مع موقفه خلال أحداث اقتحام الكابيتول في 6 يناير 2021، حين لم يصدر أي أمر رسمي بنشر الحرس الوطني، رغم ادعاءاته المتكررة بذلك.
ونشرت وزارة الدفاع حوالي 700 من قوات المارينز لدعم الحرس الوطني في لوس أنجلوس، بعد أن شهدت عطلة نهاية الأسبوع إغلاق المتظاهرين لطريق سريع رئيسي وإحراق سيارات ذاتية القيادة، فيما ردت الشرطة بالغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي.
ودفع هذا التصعيد ترامب إلى إصدار توجيه بتعبئة الحرس الوطني رغم اعتراضات نيوسوم، متهماً إياه بسوء إدارة الاحتجاجات، وأكد مسؤول بالبيت الأبيض أن ترامب اتصل بنيوسوم لحثه على السيطرة على الوضع، ولم يتحرك إلا بعد شعوره بأن الحاكم لم يستجب، وبعد مشاهدته تصاعد الأحداث وإصابة عناصر من إنفاذ القانون الفيدرالي.
وقد تكون هذه التكتيكات مجرد مقدمة لما هو آتٍ من إدارة ترامب والكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون، حيث يعمل المشرعون على تمرير حزمة ضخمة للضرائب والحدود تتضمن مليارات لتوظيف آلاف الضباط الجدد، فهل تنجح هذه الاستراتيجية في تحقيق أهدافها المعلنة بترحيل مليون مهاجر سنوياً وإيواء 100 ألف شخص في مراكز الاحتجاز، أم أنها ستؤدي إلى مزيد من الانقسام والتحديات القانونية والاجتماعية؟