بدأ جموع ضيوف الرحمن مع طلوع فجر اليوم تتدفق نحو مشعر "منى" لقضاء يوم العيد وأيام التشريق فيها، ورمي الجمرات الثلاث وذبح الهدي، اقتداءً بالمصطفى صلى الله عليه وسلم.
"سبق" ترصد أهم معالم مشعر منى، موقعه ومساحته وحدوده وأهم مساجده والجبال المحيطة به، وسبب التسمية، إضافة إلى علاقته بسورة العصر وبيعة العقبة الأولى والثانية، وقصة نسك رمي الجمرات بالنبي إبراهيم عليه السلام.
يُعرَف مشعر منى بأنه موضع أداء أكثر شعائر الحج، إذ هو مكان مبيت الحجاج في يوم التروية، اليوم الثامن من ذي الحجة، ومكان استقرار الحجاج فيه يوم عيد الأضحى وأيام التشريق؛ حيث إن فيه موقع رمي الجمرات التي تُرمى في تلك الأيام من الحج، ويُذبح فيه الهدي.
ينتهي في مشعر منى أطول طريق للمشاة في العالم، والذي يبدأ من جبل الرحمة بعرفات مرورًا بمزدلفة، وهو طريق بعدة مسارات، يضم على طوله المظلات للوقاية من أشعة الشمس والكراسي والمياه الباردة.
مشعر منى وادٍ تحيط به الجبال، ويبعد نحو 6 كيلومترات شرق مكة المكرمة، وسُمِّي "منى" لِمَنِّ الله فيها بالمغفرة على عباده، وقيل: لاجتماع الناس بها، وقيل: لأن جبريل عندما أراد مفارقة آدم، قال له: تمنَّ، قال: أتمنى الجنة، فسُمِّيَت بذلك، وقيل: لِمَنِّ الله تعالى على إبراهيم الخليل بفداء ابنه فيها.
وتقع منى شمال مشعر مزدلفة، ويحدها من الشمال الغربي جمرة العقبة، ومن الجنوب الشرقي وادي محسر، ومن الجهة الشمالية جبل القويس، ومن الجهة الجنوبية جبل ثبير، ويفصل بينها وبين مشعر مزدلفة وادي محسر، وتُقدَّر مساحة منى الشرعية نحو 7.82 كم²، والمستغلة فعلاً 4.8 كم² فقط، أي ما يعادل 61% من المساحة الشرعية، و39% عبارة عن جبال وعرة ترتفع قممها نحو 500م فوق مستوى سطح الوادي.
تحيط بمنى عدد من الجبال، أشهرها: ثبير الأثيرة، أو ثبير غيناء، يُعدُّ أعلى جبال مكة، ويواجه جبل النور من الجنوب، ويشرف على منى من الشمال، والجهة الجنوبية منه، وجبل الصابح: في صَفْحِهِ مسجد الخيف، المسجد المشهور.
يعود نسك رمي الجمرات الثلاث إلى أن النبي إبراهيم، عندما كان في طريقه لتأدية مناسك الحج، عرض له الشيطان عند موقع في منى، فرماه بسبع حصيات حتى أعرض عنه، فسُمِّي هذا الموقع بجمرة العقبة، ثم عرض له الشيطان عند الجمرة الثالثة، فرماه بسبع حصيات حتى أعرض عنه، لذلك يرمي الحجاج الجمرات اقتداءً بالنبي إبراهيم، والآن تتكون الجمرات من ثلاثة طوابق للتيسير على الحجاج ومنع الازدحام.
ونزلت في منى سورة النصر أثناء حجة الوداع للرسول صلى الله عليه وسلم، وتمت فيها بيعة الأنصار المعروفة ببيعتي العقبة الأولى والثانية، حيث بايعه عليه السلام في الأولى 12 شخصًا من أعيان قبيلتي الأوس والخزرج، فيما بايعه في الثانية 73 رجلاً وامرأتان من أهل المدينة، وكانت قبل هجرته عليه أفضل الصلاة والسلام إلى المدينة المنورة.
في منى عددٌ من المساجد، أهمها وأشهرها: مسجد الخيف، بُنِيَ خلال العهد النبوي، لذلك يُعد من أوائل المساجد في الإسلام، والخيف هو الموضع المرتفع عن الأرض، لوقوعه على خيف جبل الصفائح، ويُسمَّى أيضًا مسجد العيشومة، على اسم شجرة نابتة في موضعه.
ومن المساجد التي ذُكرت في كتب التاريخ: مسجد البيعة، ويقال إن الذي أنشأ هذا المسجد الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور عام 144هـ، لوجود ثلاثة نقوش مثبتة على الجدارين الغربي والشرقي للمسجد تُثبت ذلك، ومسجد المنحر، وكان هذا المسجد قائمًا بين الجمرتين الأولى والوسطى، وعمّره الملك قطب الدين أبو بكر بن المنصور صاحب اليمن عام 645هـ، ثم أُزيل، ومسجد الكوثر، وهو مسجد صغير المساحة، كان موقعه في وسط منى، وسُمِّي بذلك لنزول سورة الكوثر على النبي عليه الصلاة والسلام، ومسجد الكبش، وكان موضعه أسفل جبل ثبير، وهو عبارة عن مسطبة مربعة الشكل، فوقها قبة تعتمد على أربعة أعمدة من الأركان.